فيه، فبعث إليه المختار من يقاتله، فقاتلهم حتَّى خرج من المِصْر، فقال حينَ أخرج امرأته من السجن:
أَلم تَعْلَمي يا أمَّ تَوبَةَ أَنَّنِي ... أنَا الْفَارِسُ الحَامِي حَقَائِقَ مَذْحِج
وأَنّي صبَحتُ السِّجْنَ في سوْرة الضُّحَى ... بكلِّ فَتىً حامي الذِّمار مُدَجَّجِ
فما إنْ بَرِحْنَ السجن حتى بدا لنا ... جَبِين كقَرْنِ الشمس غَيْرُ مُشَنَّجِ
وخدٌّ أَسِيل عن فتَاةٍ حَييَّةٍ ... إِلَينا سقاها كل دانٍ مُثَجّجِ
فما العيش إلا أن أَزُورَكِ آمِنًا ... كعادتِنا من قبْل حَرْبي ومُخْرَجي
وما أَنْتِ إلا همَّةُ النفس والهوى ... علَيْكِ السلامُ من خليط مُسَحّجِ
وما زلتُ محْبوسًا لحبسكِ وَاجِمًا ... وإنِّي بما تَلْقَيْن من بَعْدِه شَجِ
فبالله هَلْ أَبصَرْتِ مِثليَ فارِسًا ... وقد وَلجُوا في السجن من كُلّ موْلجِ!
ومثلي يُحامي دون مِثلِكِ إِنَّني ... أَشُدُّ إذا ما غَمْرَة لم تفرَّجِ
أضارِبهم بالسيف عَنْكِ لتَرجعِي ... إلى الأَمن والعيش الرفيعِ المُخَرفجِ
إذا ما أَحاطوا بي كررتُ عليْهمُ ... كَكرِّ أبي شِبْلين في الخِيس مُحْرَج
دعوتُ إليّ الشَّاكريَّ ابنَ كامل ... فوَلَّى حَثِيثًا رَكْضُهُ لم يُعَرِّجِ
وإن هتَفُوا باسمي عَطَفْتُ عَلَيْهِمُ ... خُيُولَ كِرَامِ الضرب أكثرُهَا الوَجي
فلا غَرْوَ إلّا قولَ سَلْمَى ظَعينَتي: ... أما أَنْتَ يا بن الحُرِّ بالمُتَحرِّجُ
دَعِ القَوْمَ لا تَقْتُلهُمُ وانجُ سالمًا ... وشَمّرْ هَداكَ اللهُ بالخَيل فاخْرُج
وإني لأرجُو يا بنة الخَير أَن أُرَى ... على خير أَحْوَال المُؤَمّلِ فارتجي
ألا حبَّذَا قولي لأَحْمَر طَيِّئ ... ولابن خُبَيْب قد دنا الصبْح فادلج
وقولي لهذا سِرْ وقَولي لذا ارتحِلْ ... وقولي لذا من بعد ذلك أَسرج
وجعل يعبث بعُمّالِ المختار وأصحابِه، ووَثبتْ هَمْدان مع المختار فأحرقوا دارَه، وانتهبوا ضيْعته بالجُبّة والبُداة، فلما بلغه ذلك سار إلى مَاه إلى ضِياع عبدِ الرحمن بن سعيد بن قيس، فأنهبها وأنهب ما كان لهمْدانَ بها، ثمّ أقبل إلى السَّواد فلم يدع مالًا لهَمْدانيّ إلا أَخَذَه، ففي ذلك يقول:
وما تَركَ الكذَّابُ مِنْ جُلِّ مالِنَا ... ولا الزرقُ من همَدَانَ غيرَ شريدِ
أفي الحَق أن يَنْهبْ ضياعِيَ شاكرٌ ... وتأْمنَ عندي ضَيْعَة ابنِ سَعيد!
أَلم تَعْلَمي يا أُمَّ توبَةَ أَنَّنِي ... على حدثان الدهر غَيْرُ بَليدِ