أَشُدُّ حيازِيمي لكلّ كرِيهَةٍ ... وإني على ما ناب جدُّ جَليدِ
فإن لم أُصَبِّحْ شاكرًا بكتيبَةٍ ... فعالجتُ بالكفَّين غُلَّ حَديدِ
هُمُ هدموا داري وقادوا حليلتي ... إلى سِجْنِهِمْ والمسلمون شهُودي
وهم أَعجلوها أن تَشُدَّ خمارَها ... فيا عَجبًا هلِ الزمان مقيدي!
فما أنا بابن الحُرّ إن لم أرُعْهُمُ ... بِخَيل تعادى بالكماةِ أُسُودِ
وما جَبُنَتْ خيلي ولكن حَملتُها ... على جَحْفلٍ ذي عُدةٍ وعَدِيدِ
وهي طويلة.
قال: وكان يأتي المَدائنَ فيمرّ بعمَّال جُوخَى فيأخذ ما معهم من الأمْوال، ثمّ يميل إلى الجَبَل، فلم يَزَل على ذلك حتَّى قُتِلَ المختار، فلما قُتِل المختار قال الناس لمصعب في ولايته الثانية: إن ابن الحُرّ شاقّ ابن زياد والمختار، ولا نأمَنهُ أن يثب بالسواد كما كان يفعل، فحبسه مُصعَب فقال ابن الحُرّ:
من مُبلغُ الفِتْيَانِ أنَّ أخاهُمُ ... أَتَى دونَهُ بابٌ شَديدٌ وحاجبُهْ
بمنْزلة ما كان يرْضى بمثلِهَا ... إذا قام عنّته كبولٌ تجَاوبُهْ
على الساق فوق الكعب أَسْوَدُ صامتٌ ... شديدٌ يُداني خَطْوَهُ ويُقَارِبُهْ
وما كان ذا من عُظم جُرْمٍ جَنيْتُهُ ... ولكن سَعى الساعي بما هُوَ كاذِبُهْ
وقد كان في الأرض العرِيضَةِ مسلكٌ ... وأيُّ امرئٍ ضاقَتْ عليه مذاهِبْهُ!
وفي الدهر والأيّام للمْرءِ عِبْرَةٌ ... وفيما مضى إن ناب يَوْمًا نوائبُهْ
فكلَّم عُبيدُ الله قومًا من مَذحجَ أن يأتوا مُصعبًا في أمرِه، وأرسل إلى وجوههم، فقال: ائتوا مصعبًا فكلموه في أمري ذاته، فإنَّه حبَسَني على غير جُرْم، سعى بي قومٌ كذبةٌ وخَوّفُوه ما لم أكن لأفعله، وما لم يكن من شأني، وأرسل إلى فتيان من مَذْحج وقال: البَسوا السلاح، وخُذُوا عدّة القتال، فقد أرسلتُ قومًا إلى مُصعب يكلمونه في أمري، فأقيِموا بالباب، فإن خرج القومُ وقد شفّعهم فلا تَعرِضوا لأحد، ولْيَكُنْ سلاحُكم مكفَّرًا بالثياب، فجاء قوم من مَذحِج فدخلوا على مُصعب فكلموه، فشفّعهم، فأطلقَه، وكان ابنُ الحُرّ قال لأصحابه: إن خرجوا ولم يشفّعهم فكابروا السجن فإني أعينكم من دَاخل، فلما خرج ابنُ الحُرّ قال لهم: أظهِروا السلَاح، فأظهَروه، ومضى لم يَعرِض له أحد، فأتَى منزلَه، وندم مصعب على إخراجهِ، فأظهر ابنُ الحُرّ الخلاف، وأتاه الناسُ