يهنِّئونه، فقال: هذا الأمر لا يصلح إلا لمثل خُلفائكم الماضين، وما نَرَى لهم فينا نِدًّا ولا شبيهًا فنُلقِي إليه أزمَّتنا، ونمحّضه نصيحتنا، فإن كان إنَّما هو مَنْ عزَّ بزّ فعَلامَ نَعقد لهم في أعناقنا بَيعةً، وليسوا بأشجَعَ منَّا لقاءً، ولا أعظم منَّا غناء! وقد عَهد إلينا رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: ألّا طاعةَ لمخلوق في معصيةِ الخالق، وما رأيْنَا بعدَ الأربعة الماضين إمامًا صالحًا، ولا وزيرًا تقيًّا، كلهم عاصٍ مخالِف، قويّ الدنيا، ضعيفُ الآخرة، فعلام تُستحَلّ حرمتنا، ونحن أصحاب النَّخيلة والقادسيَّة وجَلولاء ونِهاوَند! نَلقَى الأسنَّة بنُحورنا والسيوفَ بِجباهِنا، ثم لا يعرف لنا حقّنا وفضلنا؛ فقاتلوا عن حرِيمكم، فأيّ الأمرِ ما كان فلَكُم فيه الفضل، وإني قد قلبت ظهر المِجَنّ، وأظهرتُ لهم العداوة، ولا قوّة إلّا بالله، وحاربهم فأغار فأرسل إليه مصعبٌ سيفَ بن هانئ المُراديّ، فقال له: إنّ مصعبًا يُعطِيك خراج بادوريا على أن تُبايع وتدخل في طاعته؛ قال: أوَليسَ لي خَراجُ بادوريا وغيرها! لست قابلًا شيئًا، ولا آمَنُهم على شيء، ولكني أراك يا فتى - وسيفٌ يومئذ حدَثٌ - حَدثًا، فهل لك أن تَتْبَعني وأموّلك! فأبى عليه، فقال ابن الحُرّ حين خرج من الحَبْس:
لا كُوفَةٌ أمِّي ولا بَصْرَةٌ أبي ... ولا أنا يثنِيِني عن الرحْلَة الكَسَلْ
- قال أبو الحسن: يُروَى هذا البيتَ لسُحَيْم بن وثيل الرَّياحيّ -
فلا تحْسَبَنّي ابنَ الزُّبَيْرِ كَناعِسٍ ... إذا حَلَّ أغْفَى أو يقال لَهُ ارتحِلْ
فإِنْ لم أُزِرْك الخَيلَ تَردِي عوابِسًا ... بفُرْسانِها لا أُدْعَ بالحازِمِ البَطَلْ
وإن لم تَرَ الغارَاتِ مِنْ كُل جانبٍ ... عليك فَتَنْدَمْ عاجلًا أَيُّها الرّجلْ
فلا وضعَتْ عندي حصَانٌ قنَاعهَا ... ولا عِشْتُ إلّا بالأَمانِيِّ والعِلَلْ
وهي طويلة.
فبعث إليه مُصعَب الأبردَ بن قرة الرياحيّ في نفر، فَقاتله فهزَمَه ابنُ الحُرّ، وضَرَبه ضربةً على وجهه، فبعث إليه مصعبٌ حُرَيثَ بنَ زَيْد - أو يزيدَ - فبارَزَه، فقَتَله عُبيدُ الله بنُ الحرّ، فبعث إليه مصعب الحجَّاج بن جارية الخثعميّ ومُسلِم بن عمرو، فَلَقياه بنهر صرْصر، فقاتَلهم فهَزمَهم، فأرسل إليه مصعب قومًا يدعونه إلى أن يؤمّنه ويصِله، ويولّيه أيّ بلد شاء، فَلَم تقبَل، وأتى نَرْسَى ففرّ دِهْقَانُها ظيزجشْنَس بمالِ الفَلُّوجة، فتَبعه ابنُ الحُرّ حتَّى مرّ بعَين التّمر وعليها