بِسْطام بنُ مَصْقَلة بن هُبيرة الشَّيباني، فتعوّذ بهم الدّهقان، فخرجوا إليه فقاتَلُوه - وكانت خيلُ بِسطام خَمْسين ومئةَ فارس - فقال يونس بن هاعان الهَمْداني من خَيْوان، ودعاه ابنُ الحرّ إلى المبارزة: شَرُّ دهر آخره، ما كنتُ أحسَبُني أعيش حتى يدعوَني إنسانٌ إلى المُبارَزة! فبارَزَه فضَرَبَه ابنُ الحُرّضربةً أثْخَنتْه، ثمّ اعتْنَقا فَخَرَّا جميعًا عن فرسيْهما، وأخذ ابنُ الحُرّ عِمامةَ يونسَ وكتَّفه بها ثمّ ركب، ووافاهم الحجَّاج بن حارثة الخَثْعَميّ، فحَمَل عليه الحجَّاج فأسره أيضًا عُبيد الله، وبارز بِسطام بن مصقلة المجشِّرَ؛ فاضطربا حتَّى كرِه كلُّ واحد منهما صاحبَه، وعلاه بِسطام، فلمَّا رأى ذلك ابن الحُرّ حَمَل على بِسْطام واعتنقه بسطامٌ، فَسَقَطا إلى الأرض، وسقَط ابنُ الحرّ على صدِر بِسطام فأسره، وأسر يومئذ ناسًا كثيرًا، فكان الرجل يقول: أنا صاحبُك يومَ كذا، ويقول الآخر: أنا نازلٌ فيكم ويَمُتّ كلّ واحد منهم بما يرى أنَّه يَنفعه، فيخلّى سبيله، وبعثَ فوارسَ من أصحابه عليهم دَلْهَمٌ المُرادِيّ يَطلُبون الدّهقان، فأصابوه، فأخذوا المالَ قبلَ القتال، فقال ابنُ الحُرّ:
لوْ أنَّ لي مِثلَ جَريرٍ أَرْبَعَهْ ... صبحْتُ بَيت المالِ حتى أجْمَعَهْ
ولم يهُلني مُصْعبٌ ومن معهْ ... نعْمَ الفَتَى ذلكُمُ ابن مَشْجَعَهُ
ثم إن عُبيدَ الله أتى تَكْرِيتَ، فهربَ عاملُ المهلَّب عن تكريتَ، فأقام عُبيد الله يجبي الخراج، فوجّه إليه مصعبٌ الأبردَ بن قرّة الرّياحيّ والجَوْن بن كَعْب الهَمْدانيّ في ألف، وأمدّهُما المهلَّب بيزيد بن المغفَّل في خمسمئة، فقال رجلٌ من جُعْفيّ لعبيد الله: قد أتَاكَ عددٌ كثير، فلا تُقاتِلْهم، فقال:
يَخوِّفُنِي بالقتْل قومِي وإنَّما ... أمُوتُ إذا جاءَ الكتابُ المؤَجَّلُ
فقال للمجشِّر ودَفَع إليه رايتَه، وقدّم معه دَلهَمًا المراديّ، فقاتَلهم يومين وهو في ثلاثمئة، فخرج جَرير بنُ كريب، وقُتِل عَمرو بن جُندَب الأزديّ وفُرسان كثير من فُرْسانه، وتحاجَزوا عندَ المساء، وخرج عُبيدُ الله من تَكريتَ فقال لأصحابه: إني سائرٌ بكم إلى عبد الملك بن مَرْوان، فتهيَّؤوا، وقال: إني أخاف أن أفارقَ الحياةَ ولم أذعرْ مُصْعبًا وأصحابه، فارجِعوا بنا إلى الكوفة، قال: فسار إلى كسْكَر فَنفَى عامِلها، وأخذ بيت مالِها، ثمّ أتى الكوفة فنزل لحّام جرير،