فبعث إليه مُصعبٌ عمرَ بن عُبيد الله بن معمر، فقَاتلَه، فخرَج إلى ديْر الأعور، فبعث إليه مُصْعَبٌ حجَّار بن أبجر، فانهزم حجَّار، فَشَتمه مصعبٌ وردّه، وضمَ إليه الجوْن بن كعب الهَمْدانيّ وعمر بن عُبيد الله بن مَعمر، فقاتلوه بأجمعهم، وكثرت الجراحات في أصحاب ابن الحُرّ وعُقِرتْ خُيولهم، وجُرح المجشِّر، وكان معه لواءُ ابن الحُرّ، فدَفَعه إلى أحْمَر طيّئ، فانهَزَم حجَّار بن أبجر ثم كرّ، فاقتتلوا قِتالًا شديدًا حتَّى أمسَوْا، فقال ابنُ الحُرّ:
لو أنَّ لي مِثلَ الفتى المُجَشِّرِ ... ثلاثةً بَيّتُّهُمْ لا أَمتَرِي
وخرج ابنُ الحُرّ من الكوفة، فكتب مصعبٌ إلى يزيدَ بن الحارث بن رُؤيم الشَّيْبانيّ - وهو بالمَدائن - يأمره بقتال ابن الحُرّ، فقدّم ابنه حَوْشبًا فلقِيَه بباجِسْرى، فهزمَه عُبيدُ الله وقُتِل فيهم، وأقبل ابنُ الحُرّ فدخل المدائن، فتَحصّنوا، فخرج عبيدُ الله فوجَّه إليه الجون بن كَعْب الهَمْدانيّ وبِشْر بن عبد الله الأسديّ، فنزل الجون حَوْلايَا، وقَدم بِشر إلى تامَرَّا فلقِيَ ابنَ الحُرّ، فقَتله ابنُ الحُرّ، وهزم أصحابه، ثمّ لقي الجون بن كعب بَحْولايا، فخرج إليه عبدُ الرحمن بنُ عبد الله، فحَمل عليه ابنُ الحُرّ فطعنَه فقتَله وهزم أصحابَه، وتَبِعهم، فخرج إليه بشير بنُ عبد الرّحمن بن بشير العِجْليّ، فالتَقوا بُسورَا فاقتتَلوا قتالًا شديدًا، فانحاز بشير عنه، فرجع إلى عمله، وقال: قد هزمتُ ابنَ الحُرّ، فبلغ قولُه مُصعبًا، فقال: هذا من الذين يُحبّون أن يُحمَدُوا بما لم يَفْعلوا، وأقام عُبيد الله في السَّواد يُغيرُ ويجبي الخراج، فقال ابنُ الحُرّ في ذلك:
سلُوا ابن رُؤَيم عن جِلَادِي وموْقِفِي ... بِإيوانِ كسرى لا أُولِّيهمُ ظَهْرِي
يَلُوذون مِنّي رَهبةً ومخافةَ ... لواذًا كما لاذ الحمائمُ من صَقْرِ
ثم إنّ عُبيدَ الله بن الحُرّ - فيما ذكر - لحق بعبد المَلِك بن مَرْوان، فلمَّا صار إليه وجهه في عشرة نفر نحوَ الكُوفة، وأمره بالمسير نحوَها حتَّى تلحقه الجنودُ،