فسار بهم، فلمَّا بلغ الأنْبار وجَّه إلى الكوفة من يُخبِر أصحابَه بقدومه، ويسَألهم أن يخرجوا إليه، فبلغ ذلك القيسيَّة، فأتَوا الحارث بن عَبد الله بن أبي ربيعة عامل ابن الزّبير على الكوفة، فسألوه أن يبعث معهم جيشًا، فوجَّه معهم، فلمَّا لقُوا عُبيد الله قاتَلَهم ساعة، ثم غَرقَت فرسُه، ورَكب معبرًا فَوَثب عليه رجلٌ من الأنْباط فأخذ بعَضُدَيه وضرَبَه الباقون بالمرَادِيّ، وصاحوا: إنّ هذا طلبةُ أمير المؤمنين، فاعْتَنقا فغَرقا، ثمّ استخرَجوه فجَزّوا رأسَه، فبَعَثوا به إلى الكُوفة ثمّ إلى البَصْرة. (٦/ ١٢٨ - ١٣٥).
قال أبو جعفر: وقد قيل في مقتله غيرُ ذلك من القول؛ قيل: كان سببُ مَقتلَ عُبيد الله بن الحُرّ أنَّه كان يغشَى بالكوفة مُصعَبًا، فرآه يُقدّم عليه أهلَ البصرة، فكتب إلى عبد الله بن الزّبير - فيما ذُكر - قصيدة يعاتب بها مُصعَبًا ويخوّفُه مَسيرَه إلى عبدِ الملك بن مَروان، يقول فيها:
أبْلِغْ أميرَ المؤمنينَ رِسالةً ... فلَسْتُ على رأَيٍ قبيحٍ أوارِبُهْ
أَفي الحقّ أن أُجْفَى ويَجعَل مُصْعَب ... وَزِيرَيْه من قد كنتُ فيه أَحارِبُهْ!
فكيفَ وقد أَبليتُكْم حقَّ بيْعتي ... وحقِّيَ يُلوَى عندكُم وأطالِبُهْ
وأبليتُكُمْ مَالًا يُضَيَّعُ مِثلُهُ ... وآسيْتُكم والأَمرُ صَعْبٌ مَراتبُهْ
فلمّا استنار الملكُ وانقادتِ العِدَا ... وأُدْرِكَ من مال العراقِ رغائبُهْ
جَفا مُصعَبٌ عنّي ولو كان غيرَهُ ... لأصبَحَ فيما بيننا لا أُعاتِبُهْ
لقد رابَني من مُصعب أنَّ مُصْعَبًا ... أرَى كُلَّ ذِي غِشٍّ لنا هو صاحبُهْ
وما أنا إنْ حَلأّتمُوني بوارِدٍ ... على كَدْرٍ قد غُصّ بالصَّفْو شارِبُهْ
وما لامرئٍ إلَّا الَّذي الله سائقٌ ... إليه وما قد خَطَّ في الزَّبْر كاتِبُهْ
إذا قمتُ عند الباب أدْخِلَ مُسْلم ... ويمنعُني أن أَدخُلَ البابَ حاجبُهْ
وهي طويلة.
وقال لمُصعَب وهو في حَبْسه، وكان قد حُبس معه عطيَّة بن عمَرو البَكْريّ، فخرج عطيَّة، فقال عُبيد الله:
أقولُ له صبرًا عَطِيٌّ فإِنَّما ... هو السجن حتى يَجعلَ اللهُ مَخْرجا
أرَى الدّهرَ لي يوْمين يومًا مطرّدًا ... شرِيدًا ويومًا في المُلوك مُتَوجَا
أتَطْعَنُ في دِيني غَداةَ أَتَيتُكمْ ... وللدّين تُدْني الباهليَّ وحَشْرَجا!