للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= إلى سائر أسباطهم، فكانت فيهم النبوة، وكثروا جدًّا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة، وحتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل.
وإما إسماعيل - عليه السلام -، فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها، كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق وسيدهم، وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه.
فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة، والدرة الزاهرة، وواسطة العقد الفاخرة، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة. وقد ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: "سأقوم مقامًا يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم". فمدح إبراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق، ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق، في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.
وقال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة". ورواه أهل السنن من حديث منصور به. [البخاري / ح ٣٣٧١].
وقال تعالى: {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وذكر المفسرون لهذا السؤال أسبابًا بسطناها في التفسير وقررناها بأتم تقرير.
والحاصل: أن الله عزَّ وجلَّ أجابه إلى ما سأل، فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور، اختلفوا في تعيينها على أقوال، والمقصود حاصل على كل تقدير، فأمره أن يمزق لحومهن وريشهن ويخلط ذلك بعضه في بعض، ثم يقسمه قسمًا ويجعل على كل جبل منهن جزءًا ففعل ما أمر به، ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن، فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه، وكل ريشة تأتي إلى أختها، حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه، وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشيء: كن فيكون، فأتين إليه سعيًا، ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانًا.
وقد كان إبراهيم - عليه السلام - يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علمًا يقينًا لا يحتمل النقيض، ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانًا، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين! فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله.
وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>