وأتى الخائن بأسير من أبناء الفراغنة، فسأله عن رأس الجيش، فأعلمه بمكان أبي أحمد ومفْلِح، فارتاع لذكر أبي أحمد - وكان إذا راعه أمر كذّب به - فقال: ليس في الجيش غير مفلِح! لأني لست أسمع الذكر إلا له؛ ولو كان في الجيش مَن ذكر هذا الأسير لكان صوتُه أبعد، ولمَا كان مفلح إلَّا تابعًا له، ومضافًا إلى صحبته.
وقد كان أهلُ عسكر الخبيث لمَّا خرج عليهم أصحاب أبي أحمد، جزعوا جزعًا شديدًا، وهربوا من منازلهم، ولجؤوا إلى النهر المعروف بنهر أبي الخصيب ولا جسر يومئذ عليه، فغرق فيه يومئذ خلق كثير من النساء والصبيان، ولم يلبث الخبيث بعد الوقعة إلا يسيرًا، حتى وافاه عليّ بن أبان في جمع من أصحابه، فوافاه وقد استغنى عنه، ولم يلبث مُفلحٌ أن مات، وتحيّز أبو أحمد إلى الأبُلّة، ليجمع ما فرّقت الهزيمة منه، ويجدّد الاستعداد، ثم صار إلى نهر أبي الأسد فأقام به.
قال محمد بن الحسن: فكان الخبيث لا يدري كيف قُتل مُفْلِح، فلما بلغه أنه أصيب بسهم، ولم ير أحدًا ينتحل رميَه ادّعى: أنه كان الراميَ له.
قال: فسمعته يقول: سقط بين يديّ سهم، فأتاني به واح خادمي، فدفعه إليّ، فرميت به فأصبت مفلحًا.
قال محمد: وكذَب في ذلك، لأني كنت حاضرًا ذلك المشهد، وما زال عن فرسه، حتى أتاه المخبر بخبر الهزيمة، وأتِيَ بالرؤوس وانقضت الحرب.
* * *
وفي هذه السنة وقع الوباء في الناس في كور دِجْلة، فهلك فيها خَلْق كثير في مدينة السَّلام وسامُرّا وواسط وغيرها.
وفيها قُتل خرسخارس ببلاد الروم في جماعة من أصحابه.