أبي إسحاق بن الرشيد، فأقام العباس عند أبيه أيامًا، وقد أوصى قبل ذلك إلى أخيه أبي إسحاق.
وقيل: لم يوصِ إلّا والعباس حاضر، والقضاة والفقهاء والقوّاد والكتاب، وكانت وصيته: هذا ما أشهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين بحضْرة مَنْ حضره؛ أشهدهم جميعًا على نفسه أنه يَشهد ومَنْ حضره أن الله عز وجلّ وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر لأمره غيره، وأنه خالقٌ وما سواه مخلوق، ولا يخلو القرآن أن يكون شيئًا له مثل، ولا شيء مثله تبارك وتعالى، وأن الموت حقّ، والبعث حقّ، والحساب حقّ، وثواب المُحسن الجنة وعقاب المُسيء النار، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد بلَّغ عن ربّه شرائعَ دينه، وأدّى نصيحته إلى أمته؛ حتى قبضه الله إليه - صلى الله عليه وسلم - أفضل صلاة صلّاها على أحد من ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، وأني مقرّ مذنب، أرجو وأخاف، إلا أني إذا ذكرت عفْوَ الله رجوتُ؛ فإذا أنا متّ فوجِّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وَضوئي وطهوري، وأجيدوا كَفني؛ ثم أكثروا حَمْد الله على الإسلام ومعرفة حقه عليكم في محمد؛ إذ جعلنا من أمّته المرحومة، ثم أضجعوني على سريري، ثم عجّلوا بي، فإذا أنتم وضعتموني للصلاة؛ فليتقدّم بها من هو أقربكم بي نسبًا، وأكبركم سنًّا، فليكبر خمسًا، يبدأ في الأولى في أولها بالحمد لله والثناء عليه والصّلاة على سيّدي وسيد المرسلين جميعًا، ثم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات، ثم الدّعاء للذين سبقونا بالإيمان، ثم ليكبّر الرابعة، فيحمد الله ويهلِّله ويكبّره ويسلم في الخامسة، ثم أقلّوني فأبلغوا بي حُفرتي، ثم لينزِل أقربكم إليّ قرابةً، وأودّكم محبة، وأكثروا من حمد الله وذكره، ثم ضَعُوني على شقي الأيمن واستقبلوا بيَ القبلةَ، وحُلُّوا كفني عن رأسي ورجليّ، ثم سدّوا اللحد بالّلبِن، واحْثوا ترابًا عليّ، واخرجوا عني وخلُّوني وعملِي؛ فكلكم لا يغني عني شيئًا، ولا يدفع عني مكروهًا، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرًا إن علمتم، وأمسِكوا عن ذكر شرٍّ إن كنتم عرفتم، فإني مأخوذٌ من بينكم بما تقولون وما تلفظون به، ولا تدَعُوا باكيةً عندي؛ فإن المعْوَل عليه يعذّب. رحمَ الله امرأ اتّعظ وفكر فيما ختّم الله على جميع خلقه من الفناء، وقضى عليهم من الموت الذي لا بد منه، فالحمد لله الذي توحّد بالبقاء، وقضى على جميع خلقه الفناء. ثم ليَنظر ما كنتُ فيه من عزّ الخلافة؛