للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل أغنى ذلك عني شيئًا إذ جاء أمر الله! لا والله، ولكن أضعِف عليّ به بالحسابُ، فيا ليت عبد الله بن هارون لم يكن بشرًا، بل ليته لم يكن خلقًا! يا أبا إسحاق، ادنُ منّي، واتّعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذا طوّقكها الله عمل المريد لله، الخائف من عقابه وعذابه؛ ولا تغترّ بالله ومهلته؛ فكأنْ قد نزلَ بك الموت. ولا تغفل أمرَ الرّعيّة. الرعيةَ الرعية! العوامّ العوام! فإن المُلْك بهم وبتعهُّدك المسلمين والمنفعة لهم. اللهَ اللهَ فيهم وفي غيرهم من المسلمين! ولا يُنهَينَّ إليك أمر فيه صلاح للمسلمين ومنفعة لهم إلا قدّمتَه وآثرته على غيره من هواك، وخذ من أقويائهم لضعفائهم، ولا تحمل عليهم في شيء، وأنصف بعضَهم من بعض بالحقّ بينهم، وقرّبهم وتأنّهم، وعجل الرّحلة عنِّي، والقدوم إلى دار مُلْكِك بالعراق، وانظر هؤلاء القوم الذين أنت بساحتهم فلا تغفل عنهم في كل وقت. والخُرَّمية فأغزِهم ذا حزامة وصرامة وجلَد، وأكْنِفه بالأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرّجالة؛ فإن طالت مدتهم فتجرّد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، واعمل في ذلك عمل مقدّم النِّيَّة فيه، راجيًا ثواب الله عليه. واعلم أنّ العِظة إذا طالت أوجبتْ على السامع لها والموصى بها الحجّة، فاتق الله في أمرك كله، ولا تُفْتَن.

ثم دعا أبا إسحاق بعد ساعة حين اشتدّ به الوجَع، وأحسّ بمجيء أمر الله فقال له: يا أبا إسحاق، عليك عهد الله وميثاقه وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتقومنّ بحق الله في عباده، ولتؤثرنّ طاعته على معصيته؛ إذ أنا نقلتُها من غيرك إليك؟ قال: قال: اللهم نعم، قال: فانظر مَنْ كنت تسمعني أقدّمه على لساني فأضعِف له التّقدمة؛ عبد الله بن طاهر أقرّه على عمله ولا تهجْه، فقد عرفتَ الذي سلفَ منكما أيام حياتي وبحضرتي، استعطفه بقلبك، وخُصّه ببرّك، فقد عرفتَ بلاءه وغنَاءه عن أخيك. وإسحاق بن إبراهيم فأشرِكْه في ذلك؛ فإنه أهل له. وأهل بيتك، فقد علمتَ أنه لا بقيّة فيهم وإن كان بعضهم يظهر الصّيانة لنفسه. عبد الوهاب عليك به من بين أهلك، فقدّمه عليهم، وصيّر أمرهم إليه. وأبو عبد الله بن أبي داود فلا يفارقك، وأشركه في المشورة في كلّ أمرك فإنه موضح لذلك منك، ولا تتخذّن بعدي وزيرًا تلقى إليه شيئًا؛ فقد علمتَ ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس وخبثْ سيرته حتى أبان الله ذلك منه في صحّة مني، فصرتُ إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>