أعدائهم وأبشارهم ودمائهم، فلما بلغ محمد بن عبد الله ما أمر به في النواحي أنشأ كتابًا نسخته:
أما بعد فإنّ زيغْ الهوى صَدَفَ بكم عن حَزْم الرّأي، فأقحمكم حبائل الخطأ، ولو ملَّكتُم الحقّ عليكم، وحكمتم به فيكم لأوردكم البصيرةَ، ونفى عنكم غيابة الحَيْرة، والآن فإن تجنحوا للسَّلم تحقنوا دماءكم، وترغدوا عيشكم، ويصفح أمير المؤمنين عن جريرة جارِمكم؛ وأخْلَى لكم ذِرْوة سُبوغ النعمة عليكم، وإن مضيتم على غُلَوائكم، وسوَّل لكم الأمل أسوأ أعمالِكم، فائْذنوا بحرب من الله ورسوله، بعد نَبْذ المعذرة إليكم، وإقامة الحجة عليكم، ولئن شُنّت الغارات، وشبّ ضُرام الحرب، ودارت رحاها على قطبها، وحسمت الصوارم أوصال حُماتها واستجرّت العوالي مَنْ نهمها، ودُعَيت نزال، والتحم الأبطال، وكلحت الحرب عن أنيابها أشداقَها، وألقت للتجرّد عنها قِنَاعها، واختلفت أعناق الخيل، وزحف أهل النجدة إلى أهل البغي، لتعلمنّ أيّ الفريقين أسمح بالموت نفسًا، وأشدّ عند اللقاء بطشًا، ولات حين معذرة، ولا قبول فدية! وقد أعذر مَنْ أنذر؛ وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلَب ينقلبون!
فبلغ كتاب محمد بن عبد الله الأتراكَ، فكتبوا جواب كتابه:
إن شخص الباطل تصوَّر لك في صورة الحقّ، فتخيّل لك الغيّ رشدًا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، ولو راجعتَ عُزوب عقلك أنار لك برهان البصيرة، وحسم عنك موادّ الشبهة؛ ولكن حِصْت عن سنّة الحقيقة، ونكصت على عقبيك لِمَا ملك طباعك مِنْ دواعي الحيرة؛ فكنت في الإصغاء لهتافه والتجرّد إلى وروده كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، ولعمرك يا محمد؛ لقد وَرَد وعدُك لنا ووعيدُك إيانا، فلم يُدنِنَا منك، ولم يُنئنا عنك، إذ كان فحصُ اليقين قد كشف عن مكنون ضميرك، وألفاك كالمكتفِي بالبرق نَهْجًا؛ إذا أضاء له مَشى فيه، وإذا أظلم عليه قام، ولعمرُك لئن اشتدَّ في البغي شأوُكَ، ومتعت بصُبابة من الأمل ليكونن أمرك عليك غمة؛ ولنأتينّك بجنود لا قبل لك بها، ولنُخرجنّك منها ذليلًا، وأنت من الصاغرين، ولولا انتظارنا كتابَ أمير المؤمنين بإعلامنا ما نعمل في شاكلته، بلغْنا بالسّيَاط النياط، وغمدْنا السيوف وهي كالّة، وجعلنا عاليها سافلها، وجعلناها مأوى الظّلمان