بخطِّه، وأنه محفوظ لم يشذّ منه شيء، فقال له: دعه؛ فإن ظُهر عليه سلّمته ونجوت بنفسك، وإن سلِمت به رأيت فيه رأي. وجزاه الخير، وشكر له فعله ذلك أحسن شكر، وكافأه عليه وبرّه. وكان يُضرب به المثل بوفائه؛ فذكر أنه لم يتستر عن هَرْثمة من مالِ عليّ إلا ما كان أودعه هذا الرجل - وكان يقال له: العلاء بن ماهان - فاستنظف هرثمة ما وراء ظهورهم حتى حَلي نسائهم؛ فكان الرجل يدخل إلى المنزل فيأخذ جميع ما فيه؛ حتى إذا لم يبق فيه إلّا صوف أو خشب أو ما لا قيمة له قال للمرأة: هاتي ما عليك من الحَلْي، فتقول للرجل إذا دنا منها لينزع ما عليها: يا هذا، إن كنتَ محسنًا فاصرف بصرَك عنِّي، فولله لا تركتُ شيئًا من بغيتك عليّ إلّا دفعتُه إليك؛ فإن كان الرجل يتحوّب من الدّنوّ إليها أجابها إلى ذلك حتى ربما نبذت إليه بالخاتم والخلخال وما قيمته عشرة دراهم، ومَنْ كان بخلاف هذه الصفة، قال: لا أرضى حتى أفتشِّك؛ لا تكونين قد خبأت ذهبًا أو دُرًّا أو ياقوتًا؛ فيضرب يده إلى مغابِنها وأرفاغها؛ فيطلب فيها ما يظنّ أنها قد سترته عنه؛ حتى إذا ظنّ أنه قد أحكم هذا كلّه وجّهه على بعير بلا وطاء تحته، وفي عنقه سلسلة، وفي رجله قيود ثقال ما يقدر معها على نهوض واعتماد.
فذُكِر عمّن شهد أمر هرثمة وأمره؛ أن هرثمة لما فرغ من مطالبة عليّ بن عيسى وولده وكتّابه وعمَّاله بأموال أمير المؤمنين، أقامهم لمظالم الناس، فكان إذا بَرز للرجل عليه أو على أحد من أصحابه حق، قال: اخرج للرجل من حَقِّه، وإلا بسطت عليك، فيقول عليّ: أصلح الله الأمير! أجِّلني يومًا أو يومين، فيقول: ذلك إلى صاحب الحقّ، فإن شاء فعل. ثم يُقبل على الرجل، فيقول: أتَرَى أن تَدَعه؟ فإن قال: نعم، قال: فانصرف وعُدْ إليه، فيبعث عليّ إلى العلاء بن ماهان، فيقول له: صالحْ فلانا عنّي من كذا وكذا على كذا وكذا، أو على ما رأيت، فيصالحه ويُصلح أمره.
وذُكر أنه قام إلى هرثمة رجل، فقال له: أصلح الله الأمير! إن هذا الفاجر أخذ مني درَقة ثمينة لم يملك أحد مثلها، فاشتراها على كُرْه مني ولم أرِدْ بيعها بثلاثة آلاف درهم؛ فأتيت قهرمانه أطلب ثمنَها، فلم يعْطِني شيئًا، فأقمت حَوْلًا انتظر ركوب هذا الفاجر؛ فلما ركب عرضتُ له وصحْت به: أيها الأمير، أنا صاحب