إليها، قبل مجاوزتي إياها؛ كجرجان ونَيْسَابور ونَسَا وَسَرَخْس، ولم آلُ الاحتياط في ذلك، واختيار الكفاءة وأهل الأمانة والصّحة من ثقات أصحابي، وتقدّمت إليهم في ستر الأمر وكتمانه، وأخذت عليهم بذلك أيمانَ البَيْعة، ودفعت إلى كلّ رجل منهم عهدَه بولايته، وأمرتهم بالمسير إلى كوَر أعمالهم على أخفى الحالات وأسترها، والتَشبّه بالمجتازين في وُرودهم الكُوَر ومقامهم بها إلى الوقت الذي سَمَّيتُ لهم؛ وهو اليوم الذي قدّرت فيه دخولي إلى مَرْو، والتقائي وعليّ بن عيسى، وعملت في استكفائي إسماعيل بن حفص بن مصعب أمرَ جُرجان بما كنت كتبت به إلى أمير المؤمنين، فنفذ أولئك العمال لأمري، وقام كلُّ رجل منهم في الوقت الذي وُقِّتَ له بضبط عمله وإحكام ناحيته، وكفى الله أميرَ المؤمنين المؤنةَ في ذلك، بلطيف صنعه.
ولما صرت من مدينة مَرْو على منزل، اخترت عِدّةً من ثقات أصحابي، وكتبت بتسمية ولد عليّ بن عيسى وكتّابه وأهل بيته وغيرهم رقاعًا، ودفعت إلى كلِّ رجل منهم رُقعة باسم مَنْ وكّلتُه بحفظه في دخولي، ولم آمن لو قصّرت في ذلك وأخّرته أن يصيروا عند ظهور الخبر وانتشاره إلى التغيب والانتشار، فعملوا بذلك، ورحلت عن موضعي إلى مدينة مَرْو، فلما صرت منها على ميلين تلقّاني عليّ بن عيسى في وَلدِه وأهل بيته وقوّاده، فلقيته بأحسن لقاء، وآنسته، وبلغتُ من توقيره وتعظيمه والتماس النزول إليه أوّل ما بصرت به ما ازداد به أنسًا وثقة، إلى ما كان رَكن إليه قبل ذلك؛ مما كان يأتيه من كتبي؛ فإنها لم تنقطع عنه بالتعظيم والإجلال منّي له والالتماس، لإلقاء سوء الظنّ عنه؛ لئلا يسبق إلى قلبه أمر ينتقض به ما دبر أمير المؤمنين في أمره، وأمرني به في ذلك. وكان الله تبارك وتعالى هو المنفرد بكفاية أمير المؤمنين الأمرَ فيه إلى أن ضمني وإياه مجلسه، وصرت إلى الأكل معه، فلمّا فرغنا من ذلك بدأنِي يسألني المصيرَ إلى منزل كان ارتاده لي؛ فأعلمته ما معي من الأمور التي لا تحتمل تأخير المناظرة فيها. ثم دفع إليه رجاء الخادم كتابَ أمير المؤمنين وأبلغه رسالتَه، فعلبم عند ذلك أن قد حلّ به الأمر الذي جناه على نفسه، وكسبته يداه؛ من سخط أمير المؤمنين، وتغيّر رأيه بخلافِه أمره وتعدّيه سيرته.
ثم صرت إلى التوكيل به، ومضيت إلى المسجد الجامع، فبسطت آمال