والأشْعرون، وذلك أنَّهم حين بلَغهم موتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تجمَّع منهم طَخارير، فأقبل إليهم طَخاريرُ من الأشعرين وخَضَّم فانضمُّوا إليهم، فأقاموا على الأعلاب طريق الساحل، وتأشَّب إليهم أوزاعٌ على غير رئيس؛ فكتب بذلك الطاهر بن أبي هالة إلى أبي بكر؛ وسار إليهم، وكتب أيضًا بمسيره إليهم، ومعه مَسْرُوق العكِّيّ حتى انتهى إلى تلك الأوزاع، على الأعلاب، فالتقوْا فاقتتلوا، فهزمهم الله، وقتلوهم كلّ قِتْلةٍ؛ وأنْتَنَتِ السُّبل لقتلهم؛ وكان مقتلُهم فتحًا عظيمًا. وأجاب أبو بكر الطَّاهر قبل أن يأتيَه كتابه بالفتح:
بلغني كتابك تخبرني فيه مسيرَك واستنفارَك مسروقًا وقومَه إلى الأخابث بالأعلاب، فقد أصَبْتَ، فعاجِلوا هذا الضَّرْب ولا تُرَفِّهوا عنْهم، وأقيموا بالأعلاب حتي يأمَن طريق الأخابث، ويأتيَكم أمرِي. فسمِّيَتْ تلك الجموع من عكّ ومَنْ تأشَّب إليهم إلى اليوم الأخابث، وسُمَي ذلك الطريق طريقَ الأخابِث؛ وقال في ذلك الطاهر بن أبي هالة:
وواللهِ لوْلا اللهُ لا شيء غيْرُه ... لمَا فُضَّ بالأجراع جَمْعُ العثاعِث
فلم تَر عيني مِثْلَ يوم رأيتُه ... بجَنْب صُحَارٍ في جموع الأخابِث
قَتَلْنَاهُمُ ما بين قُنّةِ خَامِرٍ ... إلى القِيعَة الحمراء ذات النبَائِثِ
وفِئنَا بأموالِ الأخابث عَنْوَةً ... جِهارًا ولم نَحْفِلْ بتلك الهثاهِث
وعسكر طاهر على طريق الأخابث، ومعه مسروق في عكّ ينتظر أمرَ أبي بكر رحمه الله (١). (٣: ٣٢٠/ ٣٢١).
٨٩ - قال أبو جعفر: ولما بلغ أهلَ نَجْران وفاةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يومئذ أربعون ألف مقاتل، من بني الأفْعى؛ الأمَّةِ الَّتي كانوا بها قبل بني الحارث؛ بعثوا وفدًا ليجدّدوا عهدًا، فقدموا إليه فكتب لهم كتابًا:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتابٌ من عبد الله أبي بكر خليفةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل نَجْران، أجارهم من جُنْده ونفسه، وأجاز لهم ذمَّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلّا ما رجع عنه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله عزّ وجلّ في أرضهم وأرض العرب؛ ألّا يسكن بها دينان؛ أجارهم على أنفسهم بعد ذلك وملتهم وسائر أموالهم وحاشيتهم