للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِرّته، ولم يخفْ في الله لومة لائم، حتى لَحِقَ به رحمةُ الله عليه، ووليَ المسلمين من بعده عثمان، فاستأثر بالفَيء، وعَطّل الحدُود، وجارَ في الحُكْم، واستَذلَّ المؤمن، وعزَّز المجرِم، فسار إليه المسلمون فقتلوه، فبرئ الله منه ورسولُه، وصالحُ المؤمنين؛ ووَلي أمر الناس من بعده عليّ بن أبي طالب، فلم ينشب أن حكّمَ في أمر الله الرّجال، وشكّ في أهل الضلال، وركن، وأدْهن، فنحن من عليّ وأشياعِه بُراء، فتيسّروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحَزّبة، وأئمة الضلال الظَّلمة وللخروج من دارِ الفناء إلى دار البقاء، واللَّحاق بإخواننا المؤمنين الموقِنين الذِين باعوا الدنيا بالآخرة، وأنفقوا أموالَهم التماس رضوان الله في العاقبة، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإنَّ القتل أيْسرُ من الموت، والموتُ نازِلٌ بكم غير ما ترجُم الظنون، فمفرّق بينكم وبين آبائكم وأبنائكم، وحلائِلِكم ودنياكم، وإن اشتدّ لذلك كُرْهكم وجزعكم، ألَا فبيِعوا الله أنفسَكم طائعين وأموالَكم تدخلوا الجنة آمنين، وتعانِقوا الحُور العين، جعلنا الله وإيَّاكم من الشاكرين الذاكرين، الذين يَهْدون بالحقّ وبه يَعدِلون (١). (٦/ ٢١٦ - ٢١٨).

قال أبو مخنَف: فحدّثني عبدُ الله بنُ عَلْقمة، قال: بينا أصحابُ صالح يختلفون إليه إذ قال لهم ذاتَ يوم: ما أدرِي ما تنتظرون! حتّى متى أنتم مقيمون! هذا الجوْر قد فشا، وهذا العَدْل قد عفا، ولا تَزداد هذه الولاةُ على الناس إلّا غُلوًّا وعُتُوًّا، وتباعدًا عن الحقّ، وجُرأةً على الرّبّ؛ فاستعِدّوا وابعثوا إلى إخوانِكم الذين يريدون من إنكار الباطل والدعاء إلى الحقّ مِثلَ الذي تريدون، فيأتوكم فنلتقي وننظر فيما نحن صانعون، وفي أيّ وقت إنْ خرجْنا نحن خارجون.

قال: فترَاسل أصحابُ صالح، وتلاقَوا في ذلك، فبَيْناهم في ذلك إذْ قَدِم عليهم المحَلل بن وائل اليَشْكُريّ بكتاب من شَبيب إلى صالح بن مسرّح:

أما بعد: فقد علمتُ أنَّك كنت أردتَ الشخوص، وقد كنتَ دعوتَني إلى ذلك فاستجبْتُ لك، فإن كان ذلك اليوم من شأنك فأنتَ شيخُ المسلمين، ولن نَعدِل


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>