علينا، وقرنوا خيلهم بعضها إلى بعض لئلا يفرُّوا. قال: وكان عمرو بن معد يكرب يمرّ بنا فيقول: يا معشَر المهاجرين، كونوا أسودًا، فإنّما الأسد من أغنَى شأنه؛ فإنّما الفارسيّ تيس إذا ألقى نيْزكه.
قال: وكان أسوار منهم لا يكاد تسقط له نُشَّابة، فقلنا له: يا أبا ثوْر! اتَّقِ ذلك الفارسيّ فإنه لا تقع له نُشَّابة؛ فتوجَّه إليه ورماه الفارسيّ بنشَّابة فأصاب قوسه، وحمل عليه عمرو فاعتنقه فذبحه، واستلبه سوارَيْن من ذهب ومنطقة من ذهب ويَلْمقًا من ديباج، وقتل الله رستم، وأفاء على المسلمين عسكرَه وما فيه، وإنما المسلمون ستة آلاف، أو سبعة آلاف، وكان الذي قتل رستم هلال بن علَّفة التَّيْميّ رآه فتوجَّه إليه، فرماه رستم بنشَّابة، فأصاب قدمه وهو يُتبعه، فشكَّها إلى ركاب سَرْجه، ورستم يقول بالفارسية:"ببايه"، أي "كما أنت"؛ وحمل عليه هلال بن عُلَّفة فضربه فقتله، ثم احتزَّ رأسه فعلَّقه، وولَّت الفُرْس فأتبعهم المسلمون يقتلونهم؛ فلما بلغت الفرس الخرَّارة، نزلوا فشربوا من الخمر، وطعِموا من الطعام، ثم خرجوا يتعجَّبون من رَميهم، وأنّه لم يعمل في العرب. وخرج جالنوس فرفعوا له كُرَةً فهو يرميها ويشكّها بالنّشاب، ولحق بهم فرسان من المسلمين وهم هنالك، فشدّ على جالنوس زُهرة بن حَوِيَّة التميميّ، فقتله، وانهزمت الفرس، فلحقوا بدير قُرّةَ وما وراءه، ونهض سعد بالمسلمين حتى نزل بدير قُرّة على من هنالك من الفرس؛ وقد قدم عليهم وهم بدير قرّة عياض بن غَنْم في مدده من أهل الشام، وهم ألف رجل، فأسْهَمَ له سعد ولأصحابه مع المسلمين فيما أصابوا بالقادسيَّة، وسعد وَجِعٌ من قَرْحته تلك، وقال جرير بن عبد الله:
أنا جريرٌ كُنْيتِي أبو عَمِرْو ... قد نَصَرَ اللهُ وسَعْدٌ في القَصِرْ
وقال رجل من المسلمين أيضًا:
نُقاتِلُ حتى أنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ ... وسَعْدٌ بباب القادسيّة مُعْصمُ
قال: ولما بلغ ذلك من قولهما سعدًا، خرج إلى الناس فاعتذر إليهم، وأراهم ما به من القَرْح في فَخِذَيْه وأليَتَيْه، فعذره الناس، ولم يكن سعد لَعَمْري يُجبَّن، فقال سعد يجيب جريرًا فيما قال: