يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم، من النقمات والمثلات، مما تواتر عندهم وعند غيرهم، مما حل بقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك، مما أقام به الحجج على أهل الأرض قاطبة، في صدق ما جاء به الأنبياء، لما أنزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء وخوفهم يوم القيامة، وهو يوم التنادي، أي حين ينادي الناس بعضهم بعضًا، حين يولون إن قدروا على ذلك، ولا إلى ذلك سبيلًا: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَينَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}، وقال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٣٣ - ٣٦] [الرحمن: ٣٣ - ٣٦]. وقرأ بعضهم: {يَوْمَ التَّنَادِ} بتشديد الدال، أي يوم الفرار، ويحتمل أن يكون يوم القيامة، ويحتمل أن يكون يوم يُحِلّ الله بهم البأس، فيودون الفرار ولات حين مناص {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ١٣ - ١٢]. ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر، وما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دياهم وأخراهم. وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وألا يشركوا به أحدًا من بريته، وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان، وأن من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل. ولهذا قال: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} أي وكذبتم في هذا. ولهذا قال: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أي يردون حجج الله وبراهينه ودلائل توحيد بلا حجة ولا دليل عندهم من الله، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت، أي يبغض من تلبس به سن الناس، ومن اتصف به من الخلق، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} قرئ بالإضافة وبالنعت، وكلاهما متلازم: أي هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه إلَّا بلا برهان - فإن الله يطبع عليها، أي يختم عليها بما فيها. وعند ذلك قال موسى: {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فأمرهم بالتوكل على =