قال الله تعالى: {وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَال كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَينَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٥٢ - ٦٨]. قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده طالبًا بني إسرائيل يقفو أثرهم كان في جيش كثيف عرمرم. والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود، فأدركهم وتراءى الجمعان، ولم يبق ثَمَّ ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلَّا المقاتلة والمجادلة والمحاماة. فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلَّا سلوكه وخوضه، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وجيوشه وعَدَدِه وعُدَده، وهم منه في غاية الخوف والذعر، لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر. فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه، فقال لهم الرسول الصادق المصدوق: {قَال كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زيد أجاجه، وهو يقول: هاهنا أمرت. ومعه أخوه هارون، ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل وعلمائهم وعبادهم الكبار، وقد أوحى الله إليه وجعله نبيًّا بعد موسى وهارون عليهما السلام، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله، ومعهم أيضًا مؤمنو آل فرعون، وهم وقوف، وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف. فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، عند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلى موسى الكليم: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} فلما ضربه، انفلق بإذن الله. قال الله تعالى: {فَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} ويقال: إنه انفلق اثني عشر طريقًا، لكل سبط طريق يسيرون فيه، وهكذا كان ماء البحر قائمًا مثل الجبال، مكفوفًا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون. =