فقوله تعالى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} أي ساكنًا على هيئته، لا يُغيِّره عن هذه الصفة. قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم. فلما تركه على هيئته وحاله وانتهى فرعون، فرأى ما رأى، وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلدًا وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخانهم فأطاعوه، وعلى باطله تابعوه: انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين على طاعتي وبلدي؟ وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات! . فبادر هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرًّا ولا نفعًا، فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب بعصاه البحر. فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينج منهم إنسان. قال تعالى: {وَأَنْجَينَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ =