وقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: ٩٠ - ٩٢]. يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون زعيم كفرة القبط، وأنه لما جعلت الأمواج تخفضه تارة وترفعه أخرى، وبنو إسرائيل ينظرون إليه وإلى جنوده، ماذا أحل الله به وبهم من البأس العظيم والخطب الجسيم، ليكون أقر لأعين بني إسرائيل، وأشفى لنفوسيهم. فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به، وباشر سكرات الموت وأناب حينئذ وتاب، وآمن حين لا ينفع نفسًا إيمانها، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)}. وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ٨٤، ٨٥]. وهكذا دعا موسى على فرعون ومَلَئه أن يطمس على أموالهم، ويشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، أي حين لا ينفعهم ذلك، ويكون حسرة عليهم. وقد قال تعالى لهما -أي لموسى وهارون- حين دعوا بهذا: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هارون عليهما السلام. وقوله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} استفهام إنكاري، ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك. لأنه - والله أعلم - لو رد إلى الدنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه، كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنهم يقولون: {يَاليتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، قال الله: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، وقوله {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}. قال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أي مصاحبًا درعك المعروفة بك: {لِتَكُونَ} أي أنت آية {لِمَنْ خَلْفَكَ} أي من بني إسرائيل، ودليلًا على قدرة الله الذي أهلكك، ولهذا قرأ بعض السلف: "لتكون لمن خَلفَكَ آية" ويحتمل أن يكون المراد: ننجيك بجسدك لتكون علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وأنك هلكت .. والله أعلم، وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء. كما قال الإمام البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة بن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة واليهود تصوم يوم =