وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قالوا: هذا الجهل والضلال، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم علي صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام، وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون أصنامًا، قيل: كانت على صور البقرة، فكأنهم سألوهم: لِمَ يعبدونها؟ فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضرورات، فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم، أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة، فقال لهم مبينًا: إنهم لا يعقلون ولا يهتدون: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ثم ذكرهم نعمة الله عليهم، في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم والشرع، والرسول الذي بين أظهرهم، وما أحسن به إليهم، وما امتن به عليهم من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد، وإهلاكه إياه وهم ينظرون، وتوريثه إياهم ما كان فرعون ومَلَؤه يجمعونه من الأموال والسعادة، وما كانوا يعرشون، وبيَّن لهم أنه لا تصلح العبادة إلَّا لله وحده لا شريك له، لأنه الخالق الرازق القهار، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال، بل هذا الضمير عائد على الجنس في قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} أي قال بعضهم كما في قوله: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٤٧) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} فالذين زعموا هذا بعض النهاس لا كلهم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حنين، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر .. هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم". ورواه النسائي عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق به. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري به، ثم قال: حسن صحيح [أحمد / ٢١٩٥٩] والترمذي [٢١٨٠]. وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين، قال: =