قال محمد بن إسحاق: فلم يزل جعفر مصلوبًا حتى أراد الرشيد الخروج إلى خُراسان، فمضيت فنظرت إليه، فلما صار بالجانب الشرقيّ على باب خزيمة بن خازم، دعا بالوليد بن جُشم الشاري من الحبْس، وأمر أحمد بن الجنيد الخُتّليّ - وكان سيّافه - فضرب عنقه، ثم التفت إلى السنديّ، فقال: ينبغي أن يحرق هذا - يعني جعفرًا - فلما مضى، جمع السنديّ له شوكًا وحطبًا وأحرقه.
وقال محمد بن إسحاق: لما قتل الرّشيد جعفر بن يحيى، قيل ليحيى بن خالد: قتل أمير المؤمنين ابنَك جعفرًا، قال: كذلك يُقتَل ابنُه، قال: فقيل له: خربت ديارك، قال: كذلك تُخرَب دورهم.
وذكر الكرمانيّ أن بشارًا التركيّ حدّثه أن الرشيد خرج إلى الصيد وهو بالعُمْر في اليوم الذي قتل جعفرًا في آخره؛ فكان ذلك اليوم يوم جمعة، وجعفر بن يحيى معه، قد خلَا به دون ولاة العهد، وهو يسير معه، وقد وضع يده على عاتقه؛ وقبل ذلك ما غلَّفه بالغالية بيد نفسه؛ ولم يزل معه ما يفارقه حتى انصرف مع المغرب، فلما أراد الدخول ضمَّه إليه، وقال له: لولا أني على الجلوس الليلة مع النّساء لم أفارقك، فأقم أنت في منزلك، واشرب أيضًا واطرب؛ لتكون أنت في مثل حالي، فقال: لا والله ما أشتهي ذلك إلّا معك، فقال له: بحياتي لما شربت؛ فانصرف عنه إلى منزله؛ فلم تزل رسُل الرشيد عنده ساعة بعد ساعة تأتيه بالأنفال والأبخرة والرياحين؛ حتى ذهب الليل. ثم بعث إليه مسرورًا فحبس عنده، وأمر بقتله وحَبْس الفضل ومحمد وموسى، ووكَّل سلامًا الأبرش بباب يحيى بن خالد، ولم يعرض لمحمد بن خالد ولا لأحدٍ من ولده وحَشمه.
قال: فحدثني العباس بن بزيع عن سلّام، قال: لمّا دخلت على يحيى في ذلك الوقت - وقد هُتكت الستور وجُمع المتاع - قال لي: يا أبا سلمة؛ هكذا تقوم الساعة! قال سلّام: فحدثت بذلك الرشيد بعد ما انصرفت إليه، فأطرق مفكّرًا (١).
قال: وحدثني أيوب بن هارون بن سليمان بن عليّ، قال: كان سكني إلى يحيى، فلما نزلوا الأنبار خرجت إليه فأنا معه في تلك العشيَّة التي كان آخر أمره،