فقلت: هذا الأمرُ قتل أباك، فلَيته لا يقتلك! اخلعه ويلك! فوالله لئن كان في سابق علم الله أن تلِي لَتَلينّ.
قال: أفعلُ، قال: فخرجت فقلت: قدأجاب، فأعلِموا أمير المؤمنين، فمضوْا ثم عادوا فجزْوني خيرًا، ودخل معهم كاتب قد سمّاه، ومعه دواة وقرطاس، فجلس، ثم أقبل على أبي عبد الله، فقال: اكتب بخطّك خلعك، فتلكّأ، فقلت للكاتب: هاتِ قرطاسًا، أملِلْ ما شئت، فأملى عليّ كتابًا إلى المنتصر، أعلِمُه فيه ضَعفِي عن هذا الأمر؛ وأني علمت أنه لا يحلّ أن أتقلدَه، وكرهت أن يأثم المتوكل بسببي إذا لم أكن موضِعًا له، وأسأله الخلع، وأعلِمه أني خلعت نفسي، وأحللت الناسَ مِنْ بيعتي، فكتبت كلّ ما أراد، ثم قلت: اكتب يا أبا عبد الله، فامتنع، فقلت: اكتب ويلك! فكتب وخرج الكاتب عنا، ثم دعانا فقلت: نجدّد ثيابنا أو نأتي في هذه؛ فقال: بل جدّدا، فدعوت بثياب فلبستها، وفعل أبو عبد الله كذلك، وخرجنا فدخلنا؛ وهو في مجلسه، والناس على مراتبهم، فسلمنا فردُّوا، وأمر بالجلوس، ثم قال: هذا كتابكما؟ فسكت المعتزّ، فبدرت فقلت: نعم يا أمير المؤمنين! هذا كتابي بمسألتي ورغبتي، وقلت للمعتزّ: تكلم، فقال مثل ذلك، ثم أقبل علينا والأتراكُ وقوفٌ، وقال: أترياني خلعتُكما طمعًا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له! والله ما طمعتُ في ذلك ساعة قط؛ وإذا لم يكن في ذلك طمع، فوالله لأنْ يليَها بنو أبِي أحبُّ إليّ من أن يليَها بنو عمي؛ ولكن هؤلاء - وأومأ إلى سائر الموالي ممن هو قائم وقاعد - ألحُّوا عليّ في خلعكما، فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضُهم بحديدة، فيأتي عليكما، فما ترياني صانعًا! أقتله؛ فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم؛ فكانت إجابتهم إلى ما سألوا أسهل عليّ، قال: فأكبّا عليه، فقبَّلا يده، فضمّهما إليه، ثم انصرفا.
وذكر أنه لما كان يوم السبت لسبع بقين من صفر سنة ثمان وأربعين ومئتين خلع المعتزّ والمؤيد أنفسهما، وكتب كل واحد منها رُقعة بخطه أنه خلَع نفسه من البيعة التي بويع له، وأنّ الناس في حل من حَلّها ونَقضها؛ وأنهما يعجزان عن القيام بشيء منها، ثم قاما بذلك على رؤوس الناس والأتراك والوجوه والصحابة والقضاة، وجعفر بن عبد الواحد قاضي القضاة، والقوّاد وبني هاشم، وولاة