للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الْكَافِرِينَ إلا فِي ضَلَالٍ} وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة والإذلال، والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها، ويصولون على القبط بسببها وكانت القبط منهم يحذرون، فلم ينفعهم ذلك، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول لكل شيء: كن فيكون.
{وَقَال فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم: "صار فرعون مذكرًا" وهذا منه، وفرعون في زعمه خاف على الناس أن يضلهم موسى - عليه السلام -! .
{وَقَال مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي عذت له ولجأت إليه واستجرت بجنابه، من أن يسطو فرعون وغيره عليّ بسوء. وقوله: {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} أي جبار عنيد لا يرعوي ولا ينتهي، ولا يخاف عذاب الله وعقابه، لأنه لا يعتقد معادًا ولا جزاء، ولهذا قال: {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}.
{وَقَال رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَال فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٨ - ٢٩].
وهذا الرجل من آل فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه خوفًا منهم على نفسه، وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليًا، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظًا ومعنى .. والله أعلم.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلَّا هذا، والذي جاء من أقصى المدينة وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم.
والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه، فلما همَّ فرعون - لعنه الله - بقتل موسى عليه السلام، وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى، فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب، فقال على وجه المشورة والرأي.
قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} أي من أجل أنه قال: ربي الله فمثل هذا لا يقابل بهذا بل بالإكرام والاحترام أو الموادعة وترك الانتقام، يعني لأنه: {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أي بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله، فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة، لأنه: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيهِ كَذِبُهُ} ولا يضركم ذلك {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} وقد تعرضتم له {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} أي وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به، فكيف بكم إن حل جميعه عليكم؟ وهذا الكلام في هذا المقام، من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام.
وقوله: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ} يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرضت الدول للدين إلَّا سلبوا ملكهم وذلوا بعد عزهم! . =

<<  <  ج: ص:  >  >>