والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} وأتى ببهتان يعلمه العالمون في قوله: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}، وقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ} يعني يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه، {ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} أي ليجعلنهم مثلة ونكالًا لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته وأهل ملته. ولهذا قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل} ـ أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} يعني في الدنيا. {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} أي لن نطيعك ونترك ما وقع في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات {وَالَّذِي فَطَرَنَا} قيل: معطوف، وقيل: قسم {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي فافعل ما قدرت عليه {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا، فإذا انتقلنا منها إلى الدار الآخرة صرنا إلى حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبْقَى} أي ثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب {وَأَبْقَى} أي أدوم من هذه الدار الفانية. وفي الآية الأخرى: {قَالُوا لَا ضَيرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا} أي ما اجترمنا من المآثم والمحارم {أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} أي من القبط، بموسى وهارون عليهما السلام. وقالوا له أيضًا: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} أي ليس لنا عندك ذت إلَّا إيماننا بما جاءنا به رسولنا، واتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَينَا صَبْرًا} أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد، والسلطان الشديد، بل الشيطان المريد، {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}. وقالوا أيضًا يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} يقولون له: فإياك أن تكون منهم، فكان منهم {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} أي المنازل العالية، {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} فأحرص أن تكون منهم، فحالت بينه وبين ذلك الأقدار التي لا تغالب ولا تمانع، وحكم العلي العظيم بأن فرعون - لعنه الله - من أهل الجحيم، ليباشر العذاب الأليم، يصب من فوق رأسه الحميم. ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ، وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم: ({ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}. =