للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديد؛ ثم قفل إلي مَرْو، فخطب الناس، فقال: ألا إن بهرامسيس كان مانحَ المجوس، يمنحهم ويدفع عنهم، ويحمل أثقالهم علي المسلمين؛ ألا إنّ اشبداد بن جريجور كان مانح النصاري؛ ألا إن عقيبة اليهوديّ كان مانح اليهود يفعل ذلك، ألا إني مانح المسلمين، أمنحهم وأدفع عنهم، وأحمل أثقالهم علي المشركين؛ ألا إنه لا يُقبل مني إلا يُوَفّى الخراج علي ما كتِب ورفع. وقد استعملتُ عليكم منصور بن عمر بن أبي الخَرْقاء، وأمرتُه بالعدل عليكم، فأيما رجل منكم من المسلمين كان يؤخذ منه جزية من رأسه، أو ثُقِّل عليه في خراجه، وخفّف مثل ذلك عن المشركين، فليرفع ذلك إلي المنصور بن عمر، يحوّله عن المسلم إلي المشرك. قال: فما كانت الجمعة الثانية؛ حتي أتاه ثلاثون ألف مُسلِم، كانوا يؤدُّون الجزية عن رؤوسهم وثمانون ألف رجل من المشركين قد ألقيِت عنهم جزيتهم، فحوّل ذلك عليهم، وألقاه عن المسلمين. ثم صنّف الخراج حتي وضعه مواضعه، ثم وظّف الوظيفة التي جَري عليها الصُّلح. قال: فكانت مَرْو يؤخذ منها مئة ألف سوي الخراج أيام بني أميّة، ثم غزا الثانية إلي وَرَغْرَ وسمرقند ثم قفل، ثم غزا الثالثة إلي الشاش من مَرْو، فحال بينه وبين قطوع النهر (نهر الشاش) كورصول في خمسة عشر ألفًا، استأجر كلّ رجل منهم في كلّ شهر بشِقّة حرير؛ الشقّة يومئذ بخمسة وعشرين درهمًا، فكانت بينهم مراماة، فمنع نصرًا من القطوع إلي الشاش، وكان الحارث بن سُريج يومئذ بأرض الترك، فأقبل معهم؛ فكان بإزاء نصر، فرمي نصرًا؛ وهو علي سريره علي شاطيء النهر بِحُسبان (١)، فوقع السهم في شِدْق وصيف لنصر يوضّئه، فتحوّل نصر عن سريره، ورمي فرسًا لرجل من أهل الشأم فنفق، وعبر كورصول في أربعين رجلًا، فبيّت أهل العسكر، وساق شاء لأهل بُخاري، وكانوا في الساقة، وأطاف بالعسكر في ليلة مظلمة؛ ومع نصر أهل بخاري وسمرقند وكِسّ وأشْرُوسنة، وهم عشرون ألفًا، فنادي نصر في الأخماس: ألا لا يخرجنّ أحدٌ من بنائه، واثبتوا علي مواضعكم، فخرج عاصم بن عمير وهو علي جُنْد أهل سَمرقند، حتي مرّت خيل كورصول، وقد كانت الترك صاحتْ صيحة، فظنّ أهلُ العسكر أنّ الترك قد قطِعوا كلُّهم، فلما مرّت خيل كورصول علي ذلك حمل


(١) الحسبان: السهام الصغار. القاموس المحيط ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>