علي آخرهم، فأسر رجلًا؛ فإذا هو مَلِك من ملوكهم صاحب أربعة آلاف قبّة، فجاؤوا به إلي نصر، فإذا هو شيخ يسحب درعَه شِبْرًا، وعليه رانا ديباج فيهما حلَقٌ، وقباء فرند مُكفّف بالدّيباج، فقال له نصر: من أنت؟ قال: كورصولي، فقال نصر: الحمد لله الذي أمكن منك يا عدّو الله! قال: فما ترجو من قَتْل شيخ. وأنا أعطيك ألف بعير من إبل الترك، وألف برْذون تقوّي بها جندك، وخلّ سبيلي! فقال نصر لمن حوله من أهل الشأم وأهل خراسان: ما تقولون؟ فقالوا: خلّ سبيله، فسأله عن سنّه، قال: لا أدري، قال: كم غزوت؟ قال: اثنتين وسبعين غزوة، قال: أشهدتَ يوم العَطَش؟ قال: نعم، قال: لو أعطيتني ما طلعتْ عليه الشمس ما أفلتَّ من يدي بعدما ذكرت من مشاهدك. وقال لعاصم بن عمير السغديّ: قم إلي سَلبِه فخذه؛ فلما أيقن بالقتل، قال: مَنْ أسرني؟ قال نصر وهو يضحك: يزيد بن قُرّان الحنظليّ -وأشار إليه- قال: هذا لا يستطيع أن يغسل استَه -أو قال لا يستطيع أن يتمّ بوله- فكيف يأسرني! فأخبِرْني مَنْ أسرني؛ فإني أهلٌ أن أقتَل سبع قتلات، قيل له: عاصم بن عمير، قال: لستُ أجد مسَّ القتل إذ كان الذي أسرني فارسًا من فرسان العرب، فقتله وصلبَه علي شاطيء النهر، قال: وعاصم بن عمير هو الهزارمرد، قتِل بنهاوند أيام قحطبة.
قال: فلما قتِل كورصول تخدّرت الترك وجاؤوا بأبنيتِه فحرقوها، وقطعوا آذانهم، وجرّدوا وجوهَهم، وطفِقوا يبكون عليه؛ فلما أمسى نصر وأراد الرحلة، بعث إلي كورصول بقارورة نِفْط، فصبّها عليه، وأشعل فيه النار لئلا يحملوا عظامه، قال: وكان ذلك أشدّ عليهم من قتله.
وارتفع نصر إلي فَرْغانة، فسبي منها ثلاثين ألف رأس، قال: فقال عنبر بن بُرْعُمَة الأزدي: كتب يوسف بن عمر إلي نصر: سرْ إلي هذا الغارز ذنبه بالشاش -يعني الحارث بن سُريج- فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش، فخرّب بلادهم، واسب ذراريّهم؛ وإياك وورْطة المسلمين.
قال: فدعا نصرٌ الناس، فقرأ عليهم الكتاب، وقال: ما ترون؟ فقال يحيي بن حُضَين: امض لأمر أمير المؤمنين وأمر الأمير، فقال نصر: يا يحيي، تكلمتَ لياليَ عاصم بكلمة، فبلغت الخليفة فحظيتَ بها، وزيد في عطائك،