للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسكندرية قريةً فقريةً؛ حتى انتهينا إلى بَلْهيب -قرية من قرى الريف، يقال لها: قرية الريش- وقد بلغت سبايانا المدينة ومكّة واليمن.

قال: فلما انتهينا إلى بَلْهيب؛ أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص: إني قد كنت أخرِج الجزية إلى من هو أبغض إليّ منكم معشر العرب لفارس والروم، فإن أحببتَ أن أعطيَك الجزية على أن تردّ عليّ ما أصبتم مِن سَبايا أرضِي؛ فعلتُ.

قال: فبعث إليه عمرو بن العاص: إنّ ورائي أميرًا لا أستطيع أن أصنع أمرًا دونه، فإن شئت أن أمسِك عنك وتُمسِك عنِّي حتى أكتب إليه بالذي عرضتَ عليّ، فإن هو قبِل ذلك منك قبلتُ، وإن أمرني بغير ذلك مضيتُ لأمره. قال: فقال: نعم. قال: فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب -قال: وكانوا لا يُخفون علينا كتابًا كتبوا به- يذكر له الذي عرض عليه صاحب الإسكندرية. قال: وفي أيدينا بقايَا من سَبْيهم. ثم وقفنا ببَلْهيب؛ وأقمنا ننتظر كتاب عمر حتى جاءنا" فقرأه علينا عمرو وفيه: أما بعد: فإنه جاءني كتابك تذكر: أنّ صاحب الإسكندرية عرض أن يعطيَك الجزية على أن تردّ عليه ما أصيب من سبايا أرضه؛ ولعمري لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحبُّ إليّ من فيء يقسَم، ثم كأنّه لم يكن؛ فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيَك الجِزْية، على أن تُخيّروا مَنْ في أيديكم من سَبْيهم بين الإسلام وبين دين قومه؛ فمن اختار منهم الإسلام فهو من المسلمين؛ له ما لهم وعليه ما عليهم، ومَن اختار دين قومه، وُضع عليه من الجزية ما يوضَع على أهل دينه، فأما مَن تفرّق من سبيِهم بأرض العرب فبلغ مكّة والمدينة واليمن فإنا لا نقدر على ردّهم، ولا نحبّ أن نصالحه على أمر لا نَفِي له به. قال: فبعث عمرو إلى صاحب الإسكندرية يعلمه الذي كتب به أمير المؤمنين. قال: فقال: قد فعلتُ. قال: فجمعنا ما في أيدينا من السبَايا، واجتمعت النصارى، فجعلنا نأتي بالرّجل ممن في أيدينا، ثمّ نخيّره بين الإسلام وبين النصرانيّة؛ فإذا اختار الإسلام كبّرنا تكبيرة هي أشدّ من تكبيرنا حين تُفتح القرية؛ قال: ثم نحوزه إلينا، وإذا اختار النصرانيّة نخرت النصارى، ثم حازوه إليهم، ووضعنا عليه الجِزْية، وجزعنا من ذلك جزعًا شديدًا؛ حتى كأنّه رجل خرج منا إليهم. قال: فكان ذلك الدَّأب حتى فرغنا

<<  <  ج: ص:  >  >>