وبعد: فهذا قسم آخر من صحيح تأريخ الطبري نقدّمه للقارئ الكريم. بعد أن انتهينا من تحقيق مرويات الطبري المتعلقة بتأريخ القرن الهجري الأول وهذا الجزء الذي بين أيدينا والذي يبدأ بـ (١٠١ هـ) وينتهي إلى (١٢٦ هـ) هو تتمة لتأريخ الخلافة في عهد الأمويين ويشمل عهد أحد أبرز الخلفاء الأواخر (منهم) وهو أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك الذي به ختمت أبواب السياسة والحزم والجهاد (بالنسبة للأمويين).
ولقد راعينا في تخريجنا لمرويات هذا الجزء وتفاصيله ما ذكرنا من الشروط اللازمة لإعادة كتابة التأريخ الإسلامي كما ذكرها الأساتذة المعروفون في هذا المجال إلّا أننا تساهلنا في هذا الجزء بعض الشيء وفي مواضع معينة (كتفاصيل بعض المعارك والفتوح ولنا في ذلك ما يبرر لأننا لاحظنا الآتي (خلال تخريجنا للروايات) ازدياد عدد الروايات التي لا إسناد لها شيئًا فشيئًا وقلة عدد المرويات المسندة تدريجيًا كلما تقدمنا عند الطبري.
ولذلك أخذنا بعين الاعتبار قاعدة الأستاذ العمري (ففي الأبحاث التأريخية تعتبر الروايات المسندة من طرق رواة لا يبلغون مستوى الثقات أفضل من الروايات والأخبار غير المسندة لأن فيها ما يدل على أصلها ويمكن التحكم بنقدها وفحصها بصورة أفضل من الأخبار الخالية من السند (دراسات تأريخية ص ٢٦) وأخذنا بعين الاعتبار ما ذكره الأستاذ العمري في كتابه السابق: أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التأريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير، والخطر الناجم عنه كبير، لأن الروايات التأريخية التي دوّنها أسلافنا المؤرخون لم تعامل معاملة الأحاديث بل تم التساهل فيها وإذا رفضنا