للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبرًا عن نفسه بذلك. وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك والله أعلم. [البداية والنهاية (٦/ ٤٢٤)].
قلنا: لقد كان الحافظ ابن كثير -رحمه الله- دقيقًا في الأسطر الأخيرة ولا يدرك تلك الدقة إلَّا من خاض غمار البحث التاريخي وبأمانة ونزاهة والله تعالى اعلم.
لكن استوقفتنا عبارة أخرى للحافظ ابن كثير تخالف تمامًا ما رواه هو في هذه المسألة وما قاله كذلك كمؤرخ فهو يقول في موضع آخر حينما يتحدث عن موقف يزيد عن مقتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -: [لم يأمر بقتله ولم يسوؤه].
قلنا: وأما قوله: [لم يأمر بقتله] فصحيح كما ذكرنا وكما سنذكر مرة أخرى.
وأما قوله: [ولم يسوؤه] فغير صحيح والعجيب أن ابن كثير قال بصيغة الجزم أن يزيدًا بكى حين علم بمقتل الحسين وحزن حزنًا شديدًا، وقال ابن مرجانة: بغضني إلى الناس .. إلخ. وروى نحو هذا روايات عدةٍ وسنضيف إليها وإلى ما ذكرنا آنفًا رواية الإمام الثقة الَّذي حضر هذه المحنة وشهد معاناتها بنفسه ألا إنه الإمام العلم زين العابدين علي بن الحسين - رضي الله عنهما - ورواية زين العابدين أخرجها اثنان من الأخباريين الثقات (المدائني وأبو عرب التميمي) مع اختلاف يسير في الألفاظ.
فقد روى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن عمرو بن دينار حدثنا محمد بن علي عن أبيه قال: "قُتل الحسين وأدخلنا الكوفة فلقينا رجل فأدخلنا منزله فألحفنا فنمت فلم أستيقظ إلّا بحس الخيل في الأزقة فحملنا إلى يزيد فدمعت عينه حين رآنا وأعطانا ما شئنا ... الخبر". [سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٢٠)].
قلنا: ورجال هذا الإسناد بين الثقة والصدوق، والخبر أخرجه أبوالعرب التميمي المؤرخ المعروف عن علي بن الحسين وفيه: "والله ما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قتل" - وفي آخِره - "فقال له النعمان بن بشير: يا أمير المؤمنين اصنع بهم ما كان يصنع رسول الله لو رآهم بهذه الهيئة. فقالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد بنات رسول الله سبايا! ! ! فبكى حتى كادت نفسه تخرج وبكى أهل الدار حتى علت أصواتهم ثم قال: خلوا عنهم، واذهبوا بهم إلى الحمام فاغسلوهم واضربوا عليهم القباب ففعلوا وأمال عليهم المطبخ وكساهم وأخرج لهم جوائز كثيرة، ثم قال: لو كان بينه وبينهم نسب ما قتلهم ثم رجعوا إلى المدينة".
[المحن (١٣٤ - ١٣٥)].
وهذه الرواية الصحيحة مع كثير من الروايات التي ذكرها ابن كثير تؤكد أن يزيدًا ساءه مقتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - والله أعلم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>