ومن خلال دراستنا لسلوك يزيد وتصرفاته للأمور وتعامله مع الأحداث وعلاقاته مع أمراءه وقواده خلصنا إلى ما يلي: لقد أطلق يزيد لعماله وقادة جيوشه قدرًا كبيرًا من حرية العمل والتعامل مع الأحداث دون أن يتابعهم عن كثب ويسأل الناسى عن تقييمهم لهؤلاء الولاة -أي: بالعكس مما كان يفعله أبوه معاوية رضي الله عنه- صحيح أن يزيد كان يريد ضبط الحكم وسيادة النظام إلَّا أنه بعلاقته هذه مع ولاته فسح المجال أمام قواده لارتكاب فاجعتين: (الأولى) في كربلاء على يد أميره الفاسق عبيد الله والذي قال فيه الإمام الذهبي: كان جميل الصورة قبيح السريرة. (والثانية) في المدينة المنورة (وقعة الحرة) على يد مسلم بن عقبة الذي سماه أئمة التاريخ مُسْرف بن عقبة. وعندما أراد الحسين بن علي رَضي الله عنهما أن يتجه نحو الشام ليضع يده في يد يزيد لم يتريث عبيد الله بين زياد ولم يرجع إلى يزيد في البت في المسألة. بل شرع في تنفيذ جريمته التي تركت جرحًا كبيرًا في جسد الأمة. صحيح أن يزيدًا لم يأمر بسفك دم الحسين في كربلاء، وابن غسيل الملائكة وغيره من الصحابة والتابعين في المدينة إلَّا أن له حظًا من الإثم لأنه (وكما يقول الأستاذ العش رحمه الله): الرأس القائم على النظام والمسؤول عنه. ويقول العش أيضًا: إنه (أي: يزيد) لم يكن يواجه المصاعب والمشاكل بجد وكفاءة وكان يصدر الأوامر إلى قواده وأمرائه، لكنها أوامر مقتضبة غير مدروسة بتفاصيلها وليست فيها خطة بينه موحدة ولا تستقيم الأوامر كما نعرف إلَّا إذا كانت وسائل العمل وخطته واضحة بينة حتى إذا ترك وضع الخطة السياسية لقائد الجيش وضع خطته بناءً على أساس حربي قاسٍ وقد تستهويه خطته فتدفعه إلى أبعد مما يفكر، وكان يزيد يترك لقواده وضع المخططات فتأتي بنتائج لعله لم يقصدها. [الدولة الأموية (١٧٩)]. قلنا: وبالإضافة إلى ما سبق فإن يزيد كان على العكس تمامًا من والده الحليم السياسي البارع الخليق بالملك، فقد كان يزيد سريع الانفعال والغفسب وكان كما يقول العش: يلجأ إلى السيف كلما حمي الوطيس فهو رجل حرب أكثر منه رجل سياسة (١٨٠ - المصدر السابق). وحتى تكتمل الصورة في تحليل لنفسية وشخصية الخصوم الذين وقفوا ضد يزيد، ولقد قال الأستاذ العش كلامًا قيما نوافقه في بعضه ولا نوافقه في بعضه الآخر، فهو يضع بجزء من المسؤولية في هذه الفواجع على من خرجوا على يزيد كذلك لأنهم كما يقول العش: =