وكيع: يا هُريمُ، قَدِّم، ودفع إليه الرّاية، وقال: قدّم خيلَك فتقدّم هُرَيم، ودبّ وكيع في الرجال، فانتهى هُريم إلى نهر بينه وبين العدوّ فوقف، فقال له وكيع: اقحم يا هُرَيم، قال: فنظر هُرَيم إلى وكيع نظرَ الجَمَل الصَّؤول وقال: أنا أقحم خيلي هذا النهرَ، فإن انكشفت كان هلاكُها! والله إنك لأحمق؛ قال: يا بن اللَّخناء، ألا أراك تردّ أمري وحَذَفه بعمود كان معه، فضَرَب هريم فرسَه فأقحمه، وقال: ما بعد هذا أشدّ من هذا، وعبر هُريم في الخَيل، وانتهى وكيع إلى النهر، فدعا بخَشَب، فقَنْطر النهر وقال لأصحابه: من وطّن منكم نفسه على الموت فليعبُر، ومن لا فلْيثبت مكانَه؛ فما عبَر معه إلا ثمانمئة راجل، فدبّ فيهم حتى إذا أعيوا أقعدهم فأراحوا حتى دنا من العدوّ، فجعل الخيل مجنّبتين، وقال لهريم: إني مُطاعن القوم، فاشغلهم عنّا بالخيل، وقال للناس: شُدّوا، فحملوا فما انثنوا حتى خالطوهم، وحمل هريم خيله عليهم فطاعنوهم بالرّماح فما كفّوا عنهم حتى حَدّروهم عن موقفهم، ونادى قتيبة: أما تَرَون العدوّ منهزمين! فما عبرَ أحدٌ ذلك النهر حتى ولَّى العدوُ منهزمين، فأتبعهم الناسُ، ونادى قتيبة: من جاء برأس فله مئة.
قال: فزعم موسى بن المتوكّل القُريعيّ، قال: جاء يومئذ أحدَ عشرَ رجلًا من بني قُرَيع، كلّ رجل يجيء برأس، فيقال له: من أنت؟ فيقول: قُريعيّ. قال: فجاء رجل من الأزْد برأس فألقاه، فقالوا له: من أنت؟ قال: قُريعيّ؛ قال: وجَهم ابن زحر قاعد، فقال: كَذَب والله أصلحك الله! إنه لابن عمي؛ فقال له قُتيبة: ويحك! ما دعاك إلى هذا؟ قال: رأيتُ كلَّ من جاء قُريعيّ: فظننتُ أنه ينبغي لكلّ من جاء برأس أن يقول قُريعي قال: فضحك قُتيبة.
قال: وجُرح يومئذ خاقان وابنُه، ورجع قتيبةُ إلى مَرْوَ، وكتب إلى الحجّاج: إني بعثتُ عبدَ الرحمن بنَ مسلم، ففتح الله على يديه.
قال: وقد كان شهد الفتحَ مولى للحجّاج، فقَدم فأخبرَه الخبر، فغَضب الحجّاج على قتيبة، فاغتمّ لذلك. فقال له الناس. ابعثْ وَفْدًا من بني تميم وأعطهم وأرضهم يُخبروا الأميرَ أنّ الأمرَ على ما كتبْتَ، فبعثَ رجالًا فيهم عُرام بن شُتير الضّبيّ، فلمّا قدموا على الحجّاج صاح بهم وعاتبهم ودعا بالحجّام بيَده مقراض فقال: لأقطِّعنّ ألسنتكم أو لتصدقُنَّني، قالوا: الأميرُ قتيبة، وبعث