وقبل أن نفند هذه التهمة من أساسها نودُّ أن نذكر دفاعًا جميلًا للأستاذ شاكر رحمه الله تعالى إذ يقول: إن وضع الجزية عمن أسلم أمر شرعي فهل يجرؤ الخليفة على التساهل فيه؟ وأين دور العلم؟ ... إن كل ما حدث أن الجراح بن عبد الله الحكمي عامل عمر بن عبد العزيز على خراسان قد أخذ الجزية من جماعة ثم أسلموا فلم يُعِدْ لهم ما أخذ منهم فأرسل إليه الخليفة قولته المشهورة: "إن الله قد بعث محمدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا" [التاريخ الإسلامي (٤: ٣٦)]. وأما دفاعنا عن هذه المسألة فكالآتي وبالله التوفيق: لم يثبت لا من طريق صحيح ولا حسن ولا من مظان الحسن أن الجراح بن عبد الله الحكمي قد فعل ذلك بل العكس صحيح والرواية الصحيحة في ذلك منقبة من مناقب الجراح ثم درة من درر التاريخ الإسلامي والفتح الإسلامي. إن الكذابين والوضاعين والمتروكين يتجهون دائمًا نحو أبرز قادة الفتح ليلصقوا بهم التهم ابتداءً من سيدنا خالد بن الوليد وانتهاءً بالجراح وقتيبة بن مسلم وغيرهم. فالجراح رحمه الله كان صالحًا عابدًا مجاهدًا محبًا للشهادة في سبيل الله (كما سنذكر ضمن أحداث سنة ١١٢ هـ) ولكن أصحاب الأهواء والمتروكين أبوا إلَّا أن ينسجوا حوله الأكاذيب - ولعلّ أصحّ رواية تاريخية في هذا الباب هو ما أخرجه الإمام ابن سعد في طبقاته تبين حقيقة الأمر حتى يتبين للقارئ مدى التعريف والتشويه الذي أدخله المجاهيل والمتروكون على الواقعة التاريخية: قال ابن سعد؛ حدثنا أحمد بن محمد بن الوليد (وهو من شيوخ ابن سعد الثقات) قال: حدثنا عبد الرحمن بن حسن (من شيوخ الشافعي): عن أبيه (الحسن بن القاسم الأزرق) من رواة الشافعي غير سثمهور: أن عمر بن عبد العزيز كتب وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله بن الحكم يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلَّا أن توضع عنهم الجزية فامتحنهم بالختان، فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ هم لو قد أسلموا فحسن إسلامهم كانوا إلى الطهرة أسرع فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف. [الطبقات الكبرى (٥: ٣٨٦)]. أين هذه الرواية من الرواية الملفقة التي اختلطت بافتراءات المتروك الكذاب علي بن مجاهد =