وخرجت، فلما قدمت الكوفة لبست من صالح ثيابي، وأذن للناس، فتركتُهم حتى أخذوا مجالسَهم، ثم دخلت فقمت بالباب، فسلمت ودعوت وأثنيت، فرفع رأسه، فقال: أحسنت بالرّحب والسعة، فما رجعتُ إلى منزلي حتى أصبت ستمئة دينار بين نَقْد وعَرَض.
ثم كنت أختلفُ إليه، فقال لي يومًا: هل تكتب يا زياد؟ فقلت: أقرأ ولا أكتب، أصلح الله الأمير! فضرب بيده على جبينه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! سقط منك تسعة أعشار ما كنت أريده منك، وبقي لك واحدة فيها غنى الدّهر قال: قلت: أيها الأمير، هل في تلك الواحدة ثمن غلام؟ قال: وماذا حينئذ! قلت: تشتري غلامًا كاتبًا تبعث به إليّ فيعلمني، قال: هيهات! كبرتَ عن ذلك. قال: قلت: كلّا، فاشترى غلامًا كاتبًا حاسبًا بستين دينارًا، فبعث به إليّ. فأكببتُ على الكتاب، وجعلت لا آتيه إلا ليلًا، فما مضت إلا خمس عشرة ليلة حتى كتبتُ ما شئت وقرأت ما شئت. قال: فإنّي عنده ليلةً، إذ قال: ما أدري هل أنجحت من ذلك الأمر شيئًا؟ قلت: نعم، أكتب ما شئت، وأقرأ ما شئت، قال: إنِّي أراك ظفرت منه بشيء يسير فأعجبك، قلت: كلا، فرفع شاذكونه، فإذا طومار، فقال: اقرأ هذا الطومار، فقرأت ما بين طرفيه، فإذا هو من عامله على الريّ، فقال: اخرج فقد ولّيتك عملَه، فخرجت حتى قدمت الرّيّ، فأخذت عامل الخراج، فأرسل إليّ: إن هذا أعرابيّ مجنون، فإنّ الأمير لم يولّ على الخراج عربيًّا قطّ، وإنما هو عامل المعونة، فقل له: فليقرّني على عملي وله ثلثمئة ألف، قال: فنظرتُ في عهدي، فإذا أنا على المعونة، فقلت: والله لا انكسرت، ثم كتبت إلى خالد: إنك بعثتني على الرّيّ، فظننت أنك جمعتها لي. فأرسل إليّ صاحب الخراج أن أقرّه على عمله ويعطيني ثلثمئة ألف درهم، فكتب إليَّ أن اقبل ما أعطاك، واعلم أنّك مغبون، فأقمت بها ما أقمت، ثم كتبت: إني قد اشتقت إليك فارفعني إليك، ففعل، فلما قدمت عليه ولّاني الشرطة (١).
(١) الخبر أخرجه بطوله البلاذري قال: حدثنا بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق عن حماد بن سعيد الصنعاني عن زياد بن عبيد الله قال: أتيت الشام .... إلى آخر الخبر مع اختلاف في الألفاظ والأسماء كقوله قلت "رجل من اليمن أنا زياد بن عبيد الله بن عبد الله الحارثي [جمل من =