وعبد الرحمن بن بشير العِجْليّ ومَنْ معهم من أهل الشام، وخلّوا القصر، فدخله محمد بن خالد، فلما أصبح يوم الجمعة - وذلك صبيحة اليوم الثاني من مهلك قحطبة - بلغه نزولُ حوثرة ومَنْ معه مدينة ابن هبيرة، وأنه تهيّأ للمسير إلى محمد، فتفرّق عن محمد عامة مَن معه حيث بلغهم نزول حَوْثرة مدينة ابن هبيرة، ومسيره إلى محمد لقتاله، إلّا فرسانًا من فرسان أهل اليمن، ممن كان هرب من مَرْوان ومواليه. وأرسل إليه أبو سلمة الخلال - ولم يظهر بعد - يأمره بالخروج من القصر واللحاق بأسفل الفرات؛ فإنه يخاف عليه لقلة مَن معه وكثرة مَن مع حوثرة - ولم يبلغ أحدًا من الفريقين هلاكُ قحطبة - فأبى محمد بن خالد أن يفعل حتى تعالى النهار، فتهيّأ حوثرة للمسير إلى محمد بن خالد؛ حيث بلغه قلّة مَن معه وخذلان العامة له، فبينا محمد في القصر إذْ أتاه بعض طلائعه، فقال له: خيلٌ قد جاءت من أهل الشام، فوجّه إليهم عدّة من مواليه، فأقاموا بباب دار عمر بن سعد؛ إذ طلعت الرّايات لأهل الشام، فتهيَّؤوا لقتالهم، فنادى الشاميون: نحن بجَيلة، وفينا مليح بن خالد البَجليّ، جئنا لندخل في طاعة الأمير. فدخلوا، ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل بَحْدل، فلما رأى ذلك حوثرة من صنيع أصحابه، ارتحل نحو واسط بمن معه، وكتب محمد بن خالد من ليلته إلى قحطبة وهو لا يعلم بهلكه، يعلمه أنه قد ظفر بالكوفة وعجل به مع فارس؛ فقدم على الحسن بن قحطبة، فلما دفع إليه كتاب محمد بن خالد قرأه على الناس، ثم ارتحل نحو الكوفة، فأقام محمد بالكوفة يوم الجمعة والسبت والأحد وصبّحه الحسن يوم الإثنين، فأتوا أبا سلمة وهو في بني سلَمة فاستخرجوه، فعسكر بالنُّخيلة يومين، ثم ارتحل إلى حمّام أعين، ووجّه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هُبيرة (١).
وأما عليّ بن محمد، فإنه ذكر أن عمارة مولى جبرائيل بن يحيى أخبره، قال: بايع أهلُ خراسان الحسن بعد قحطبة، فأقبل إلى الكوفة، وعليها يومئذ عبد الرحمن بن بشير العِجليّ، فأتاه رجل من بني ضَبّة، فقال: إن الحسن داخل اليوم أو غدًا، قال: كأنك جئت تُرهبني! وضربه ثلثمئة سوط. ثم هرب فسوّد محمد بن خالد بن عبد الله القسريّ، فخرج في أحد عشر رجلًا، ودعا الناس إلى