للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٠ / ج - فإن قال قائل: وما دليلُك على أن الأيامَ الستة التي خلق الله فيهنّ خلْقه كان قدْر كلّ يوم منهنّ قدر ألف عام من أعوام الدنيا دون أن يكون ذلك كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم، وإنما قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، فلم يُعلمنا أن ذلك كما ذكرت، بل أخبرنا: أنه خلق ذلك في ستة أيام، والأيام المعروفة عند المخاطَبين بهذه المخاطبة هي أيامهم التي أوّلُ اليوم منها طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن قولك: إن خطاب الله عباده بما خاطبهم به في تنزيله إنما هو موجّه إلى الأشهر والأغلب عليه من معانيه، وقد وجهتَ خبرَ الله في كتابه عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام إلى غير المعروف من معاني الأيام، وأمرُ الله عزّ وجلّ إذا أراد شيئًا أن يكوّنه أنفذُ وأمضى من أن يوصف بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، مقدارهنّ ستة آلاف عام من أعوام الدنيا، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، وذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}؟

قيل له: قد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا: إنا إنما نعتمد في معظم ما نَرسمه في كتابنا هذا على الآثار والأخبار عن نبينا وعن السلف الصالحين قبلنا دون الاستخراج بالعقول والفِكَر؛ إذ أكثره خبرٌ عما مضى من الأمور، وعما هو كائن من الأحداث، وذلك غير مدرَك علمه بالاستنباط والاستخراج بالعقول.

فإن قال: فهل من حجة على صحة ذلك من جهة الخبر؟

قيل: ذلك ما لا نعلم قائلًا من أئمة الدين قال خلافه.

فإن قال: فهل من رواية عن أحد منهم بذلك؟

قيل: عِلْم ذلك عند أهل العلم من السلف كان أشهر من أن يحتاج فيه إلى رواية منسوبة إلى شخص منهم بعينه، وقد رُوِيَ ذلك عن جماعة منهم مسمين بأعيانهم. فإن قال: فاذكرهم لنا (١). (١: ٥٧/ ٥٨).


(١) رحم الله الطبري فلقد أثبت هنا أنه لم يعتمد في استنباطه هذا على خبر صحيح إسناده إلى رسول الله.
وأما الآثار الموقوفة فلا حجة فيها عن أمور حدثت عند بدء الخليقة قال عنها سبحانه {مَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>