يمكروا بصالح، فمشوْا حتى أتوا على سَرَب على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانية، وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيّتناهم، فأمر الله عزّ وجلّ الأرضَ فاستوت عليهم، قال: فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة، وهي على حوضها قائمة، فقال الشقيّ لأحدهم: ائتها فاعقرها، فأتاها، فتعاظمه ذلك, فأضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث أحدًا إلا تعاظمه أمرها؛ حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها، فوقعت تركض. فأتى رجلٌ منهم صالحًا فقال: أدرك الناقة فقد عُقِرت. فأقبل؛ فخرجوا يتلقوْنه ويعتذرون إليه: يا نبي الله، إنما عقرها فلان؛ إنه لا ذنب لنا، قال: انظروا هل تُدركون فصيلَها! فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب! فخرجوا يطلبونه. فلما رأى الفصيلُ أمه تضطرب أتى جبلًا - يقال له: القارة - قصيرًا فصعده وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تناله الطير، قال: ودخل صالح القرية، فلما رآه الفصيل بكَى حتى سالت دموعُه، ثم استقبل صالحًا، فرغا رغوة، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى. فقال صالح: لكلّ رغوة أجل يوم؛ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غيرُ مكذوب؛ إلا أن آية العذاب أنّ اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرّة، واليوم الثاني محمرّة، واليوم الثالث مسودّة، فلما أصبحوا إذا وجوهُهم كأنما طُليت بالحَلوق، صغيرُهم وكبيرهم، ذكَرهُم وأنثاهم، فلما أمسَوْا صاحُوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومٌ من الأجَل وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرّة؛ كأنما خضبت بالدماء، فصاحوا وضجُّوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب. فلما أمسوْا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومان من الأجَل، وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودّة كأنما طُليت بالقار، فصاحوا جميعًا: ألا قد حضركم العذاب، فتكفّنوا وتحنّطوا وكان حَنوطهم الصَّبر والمقْر، وكانت أكفانهم الأنطاع، ثم ألقوْا أنفسَهم إلى الأرض، فجعلوا يقلِّبون أبصارهم إلى السماء مرة، وإلى الأرض مرَّة، لا يدرون من حيث يأتيهم العذاب؛ من فوقهم من السماء، أو من تحت أرجلهم من الأرض خشعًا وفرقًا؛ فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحةٌ من السماء فيها صوت كلّ صاعقة وصوت كلّ شيء له صوتٌ في الأرض، فتقطَّعت