ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربه وبَرِيء من دين قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك، فأخبره أنه ابنه، فأخبرته أمّ إبراهيم - عليه السلام - أنه ابنه، فأخبرته بما كانت صنعت في شأنه، فسرّ بذلك آزر وفرح فرحًا شديدًا، وكان آزر يصنع أضنام قومه التي يعبدون، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم - عليه السلام - فيما يذكرون فيقول: مَنْ يشتري ما يضرّه ولا ينفعه! فلا يشتريها منه أحد، فإذا بارتْ عليه ذهب بها إلى نهر فصوّب فيه رؤوسها، وقال: اشربي - استهزاء بقومه، وبما هم عليه من الضلالة - حتى فشا عَيبه إياها، واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته. من غير أن يكون ذلك بلغ نمرودَ الملك. ثم إنه لما بدا لإبراهيم أن يباديَ قومه بخلاف ما همْ عليه وبأمر الله والدعاء إليه {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَال إِنِّي سَقِيمٌ}، يقول الله عزّ وجل:{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} أي طَعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه ليبلغ من أصنامهم الذي يريد. فلما خرجوا عنه خالفَ إلى أصنامهم التي كانوا يعبدون من دون الله، فقرَّب لها طعامًا؛ ثم قال: ألا تأكلون! ما لكم لا تنطقون! تعييرًا في شأنها واستهزاء بها (١). (١: ٢٣٤/ ٢٣٥ / ٢٣٦).
٣٥١ - وقال في ذلك غير ابن إسحاق ما حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حمّاد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في خبر ذكره عن أبي صالح، وعن أبي مالك، عن ابن عباس - وعن مرة الهمْدانيّ عن ابن مسعود - وعن أناس من صحاب النبي: كان من شأن إبراهيم - عليه السلام -: أنه طلع كوكب على نمرود، فذهب بضوء الشمس والقمر، ففزع من ذلك فزعًا شديدًا، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة، فسألهم عنه، فقالوا: يخْرُج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك مُلكك - وكان مسكنه ببابل الكوفة - فخرج من قريته إلى قرية أخرى، فأخرج الرجال وترك النساء، وأمر ألَّا يُولد مولود ذكر إلا ذبحه، فذبح أولادهم. ثم إنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها إلا آزر أبا إبراهيم، فدعاه فأرسله. فقال له: انظر لا تواقعْ أهلك، فقال له