للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ملائكته" وهذا عموم أيضًا ... والله أعلم. وقوله تعالى لإبليس: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} و: {اخْرُجْ مِنْهَا} دليل على أنه كان في السماء فأُمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الأرض مذمومًا مدحورًا.
وأمر الله آدم - عليه السلام - أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}. وقال في الأعراف: {قَال اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}. وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: ١١٦ - ١١٩].
وسياق هذه الآيات يقتضي: أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله: {يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار، وهو ظاهر هذه الآيات.
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} وقد أبهم الله ذكرِها وتعيينها ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن (رحم الله ابن كثير فكم من الدرر في تفسيره).
والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني، وهو المستقر شرعًا من جنة المأوى. وكقول موسى عليه السلام لآدم - عليه السلام -: "علام أخرجتنا ونفسك من الجنة ... "؟ الحديث كما سيأتي الكلام عليه.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي -اسمه سعد بن طارق- عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة، وأبي مالك عن ربعي، عن حذيفة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ فيقُومُ المُؤْمنون حينَ تزلف لهُمُ الجَنَّة. فيأتُون آدَمَ فيقولونَ: يا أبانا .. استَفْتح لنا الجنة، فيقولُ: وهل أَخْرَجَكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أبيكُمْ".
فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نُهي عنها، أُهبط إلى أرض الشقاء والتعب، والنصب والكَدَر، والسعي والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان دينًا وأخلاقًا وأعمالًا، وقصودًا وإرادات، وأقوالًا وأفعالًا، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ}.
وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْهَا} أي عن الجنة {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي من النعيم والنضرة والسرور، إلى دار التعب والكد والنكد، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما، كما قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَال مَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>