بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية، وأخذوا توراتَهم، فكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيًّا يقاتلون معه، وكان سِبْط النبوّة قد هلكوا، فلم يبق منهم إلا امرأة حُبْلي فأخذوها فحبسوها في بيت، رهبة أن تلد جارية فتبدِله بغلام، لما تري من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقَها غلامًا، فولدت غلامًا فسمته سمعون، تقول: الله سمع دعائي. فكبر الغلام، فأسلمته يتعلّم التوراة في بيت المقدس، وكفَله شيخ من علمائهم، وتبنّاه، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيًّا، أتاه جبريل والغلام نائم إلي جنب الشيخ، وكان لا يأمن عليه أحدًا غَيره فدعاه بلحن الشيخ: يا شمويل، فقام الغلام فزعًا إلي الشيخ، فقال: يا أبتاه! دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول: لا فيفزع الغلام، فقال: يا بنيّ، ارجع فنم، فرجع الغلام فنام. ثم دعاه الثانية فلباه الغلام أيضًا، فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم، فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني، فلما كانت الثالثة ظهر له جبرئيل - عليه السلام - فقال: اذهب إلي قومك فبلّغهم رسالة ربك، فإن الله قد بعثك فيهم نبيًّا. فلما أتاهم، كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوّة، ولم يألك، وقالوا: إن كنت صادقًا فـ {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، آية من نبوتك، قال لهم سمعون:{إِنْ كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}.
{قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} بأداء الجزية، فدعا الله فأتي بعصًا، تكون مقدارًا علي طول الرجل الذي يُبعث فيهم ملكًا، فقال: إن صاحبكم يكون طوله طولَ هذه العصا، فقاسوا أنفسَهم بها، فلم يكونوا مثلَها، وكان طالوت رجلًا سقَّاء يستقِي علي حمار له، فضلَّ حمارُه، فانطلق يطلبه في الطريق، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها فكان مثلها؛ وقال لهم نبيهم:{إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} قال القوم: ما كنتَ قطّ أكذبَ منك الساعة، ونحن من سِبْط المملكة، وليس هو من سِبْط المملكة، ولم يؤتَ أيضًا سعةً من المال فنتبعه لذلك، فقال النبي:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}، فقالوا: فإن كنت صادقًا فأتنا بآية أنّ هذا ملِك، قال:{إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ}.
والسكينة: طِسْت من ذهب يُغسل فيها قلوب الأنبياء، أعطاها الله موسى،