للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملوك، وأعزّ مما كان قبله، وكانت الصخرة التي رأيت أرسل الله عليه من السماء فدقّته نبيًّا يبعثه الله من السماء فيدقّ ذلك أجمع، ويصير الأمر إليه.

ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصّر: أرأيتَ هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا سألناك أن تعطيناهم ففعلت! فإنّا والله لقد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا، لقد رأينا نساءنا عَلِقْنَ بهم، وصرفنَ وجوههنّ إليهم، فأخرجْهم من بين أظهرنا، أو اقتلْهم، قال: شأنَكم بهم، فمن أحبّ منكم أن يقتل من كان في يده؛ فليفعل. فأخرجوهم، فلمّا قربوهم للقتل تضرّعوا إلى الله فقالوا: يا ربّنا، أصابنا البلاء بذنوب غيرنا، فتحنّن الله عليهم برحمته، فوعدهم أن يحييهم بعد قتلهم، فقتلوا إلا من استبقى بختنصّر منهم، وكان ممن استبقى منهم: دانيال، وحنانيا، وعزاريا، وميشايل.

ثم إن الله تبارك وتعالى حين أراد هلاك بختنصّر، انبعث فقال لمن كان في يديه من بي إسرائيل: أرأيتم هذا البيت الذي أخربت، وهؤلاء الناس الذين قتلت، من هم؟ وما هذا البيت؟ قالوا: هذا بيت الله، ومسجد من مساجده، وهؤلاء أهلُه كانوا من ذراريّ الأنبياء، فظلموا، وتعدّوا، وعصوْا، فسلّطتَ عليهم بذنوبهم، وكان ربُّهم ربّ السموات والأرض، وربّ الخلق كلّهم يكرمهم، ويمنعهم، ويعزّهم، فلما فعلوا ما فعلوا؛ أهلكهم الله، وسلّط عليهم غيرهم.

قال: فأخبروني ما الذي يطلع بي إلى السماء العليا، لعلِّي أطّلع إليها فأقتلُ منْ فيها وأتخذها مُلْكًا، فإنِّي قد فرغت من الأرض ومَنْ فيها، قالوا له: ما تقدر على ذلك، وما يقدر على ذلك أحد من الخلائق، قال: لتفعلُنّ، أو لأقتلنَّكم عن آخركم، فبكوا إلى الله وتضرّعوا إليه، فبعث الله بقدرته - ليرَيه ضعفه وهوانه عليه - بعوضةً فدخلت في منخره؛ ثم ساخت في دماغه؛ حتى عضّت بأمّ دماغه؛ فما كان يَقَرّ ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أمّ دماغه؛ فلما عرف الموت قال لخاصّته من أهله: إذا مت فشقُّوا رأسي، فانظروا ما هذا الذي قتلني؟ فلما مات شقّوا رأسه، فوجدوا البعوضة عاضّة بأمّ دماغه؛ ليُرِيَ الله العباد قدرته وسلطانه؛ ونجّى الله مَنْ كان بقي في يديه من بني إسرائيل، وترحّم عليهم، وردهم إلى الشأم وإلى إيلياء المسجد المقدّس، فبنوا فيه، ورَبلُوا وكثروا؛ حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>