للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّها فحقدتْ على يحيى حين نهاه أن يتزوّج ابنتها، فعمِدت إلى الجارية حين جلس الملك على شرابه، فألبستْها ثيابًا رِقاقًا حمرًا، وطيّبتْها، وألبستها من الحُلِيّ، وألبستها فوق ذلك كساء أسود، فأرسلْتها إلى الملك، وأمرتْها أن تسقيَه، وأن تعرض له، فإن أرادها على نفسها أبتْ عليه، حتى يعطيَها ما سألته، فإذا أعطاها ذلك؛ سألتْه أن تؤتى برأس يحيى بن زكرياء في طَسْت، ففعلت فجعلت تَسقيه وتعرض له، فلما أخذ فيه الشراب أرادها على نفسها، فقالت: لا أفعل؛ حتى تعطيَني ما أسألك، قال: ما تسأليني؟ قالت: أسألك أن تبعثَ إلى يحيى بن زكرياء، فأوتَى برأسه في هذا الطَّسْت، فقال: ويحك! سلِيني غيرَ هذا! قالت: ما أريد أن أسألَك إلا هذا. قال: فلما أبتْ عليه، بعث إليه فأتِيَ برأسه، والرأسُ يتكلّم، حتى وضع بين يديه، وهو يقول: لا تحلُّ لك، فلما أصبحَ إذا دمُه يغلي، فأمر بتراب فألقِيَ عليه، فرقَى الدمُ فوق التراب يغلي، فألقِي عليه التراب أيضًا، فارتفع الدمُ فوقه، فلم يزلْ يُلْقي عليه الترابَ حتى بلغ سورَ المدينة، وهو في ذلك يغلِي، وبلغ صيحائين فنادى في الناس، وأراد أن يبعث إليهم جيشًا، ويؤمِّر عليهم رجلًا، فأتاه بختنصَّر، فكلّمه، وقال: إنّ الذي كنتَ أرسلتَ تلك المرّة ضعيف، فإني قد دخلتُ المدينة، وسمعت كلامَ أهلِها، فابعثني، فبعثه فسار بختنصَّر؛ حتى إذا بلغوا ذلك المكانَ تحصّنوا منه في مدائنهم، فلم يُطِقْهم، فلما اشتدّ عليه المقام، وجاع أصحابُه؛ أراد الرجوعَ، فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل، فقالت: أين أمير الجند؟ فأتي به إليها، فقالت: إنه بلغني أنك تريد أن ترجعَ بجندك قبل أن تفتح هذه المدينة. قال: نعم، قد طال مقامي، وجاع أصحابي، فلستُ أستطيع المقام فوقال في كان منّي، فقالت: أرأيتَك إن فتحتُ لك المدينة، أتعطِيني ما أسألك، فتقتل مَنْ أمرتك بقتله، وتكفَّ إذا أمرتُك أن تكفّ؟ قال لها: نعم، قالت: إذا أصبحتَ فاقسم جندك أربعة أرباع، ثم أقِمْ علَى كلِّ زاوية ربعًا، ثم ارفعوا بأيديكم إلى السماء، فنادوا: إنّا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكرياء؛ فإنها سوف تتساقط. ففعلوا، فتساقطت المدينة، ودخلُوا من جوانبها، فقالت له: كفّ يدك، اقتل على هذا الدم حتى يسكن، فانطلقت به إلى دم يحيى وهو على تراب كثير، فقتل عليه حتى سكن، فقتل سبعين ألف رجل وامرأة، فلما سكن الدم، قالت له: كفّ يدك، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا قُتِلَ نبيّ لم يرضَ حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>