وعلى كلّ ستة أصول زيتون مثل ذلك؛ ولم يضعوا إلَّا على كلّ نخل [في] حديقة، أو مجتمع غير شاذّ، وتركوا ما سوى ذلك من الغلّات السّبع. فقويَ الناس في معاشهم، وألزمُوا الناس الجِزْية ما خلا أهلَ البيوتات والعظماء والمقاتلة والهرابذة والكتّاب؛ ومَنْ كان في خدمة الملك، وصيّروها على طبقات: اثني عشر درهمًا، وثمانية، وستة، وأربعة، كقَدْر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يُلزِموا الجزية مَنْ كان أتى له من السنّ دون العشرين أو فوق الخمسين، ورفعوا وضائعهم إلى كسرى فرضيَها وأمر بإمضائها والاجتباء عليها في السنة في ثلاثة أنجُم، كلّ نجم أربعة أشهر وسماها أبراسيار، وتأويله "الأمر المتراضَى"؛ وهي الوضائع التي اقْتدى بها عمر بن الخطاب حين افتتح بلاد الفرس، وأمر باجتباء أهل الذمّة عليها، إلَّا أنه وضع على كلّ جَريب أرض غامر على قدر احتماله؛ مثل الذي وضع على الأرض المزروعة، وزاد على كلّ جريب أرض مزارع حنطة أو شعير قفيزًا من حِنْطة إلى القفيزين، ورزق منه الجند. ولم يخالف عمر بالعراق خاصّة وضائعَ كسرى على جِرْبان الأرض، وعلى النخل، والزيتون، والجماجم، وألغى ما كان كسرى ألغاه من معايش الناس.
وأمر كسرى فدوّنت وضائعه نُسخًا، فاتُّخذت نسخة منها في ديوانه قِبَله، ودفعت نسخة إلى عمّال الخراج، ليجتبوا خراجَهم عليها، ونسخة إلى قضاة الكُور، وأمر القضاة أن يحولوا بين عُمّال الكُوَر والزيادة على أهل الخراج فوق ما في الديوان الذي دفعت إليه نسخته، وأن يرفعوا الخراج عن كلّ مَنْ أصاب زرعه أو شيئًا من غلّاته آفة بقدر مبلغ تلك الآفة، وعَمّن هلك من أهل الجزية أو جاوز خمسين سنة، ويكتبوا إليه بما يرفعون من ذلك؛ ليأمر بحسبه للعمّال، وألّا يخلُّوا بين العمّال وبين اجتباء مَنْ أتى له دون عشرين سنة.
وكان كسرى ولّى رجلًا من الكتّاب - نابهًا بالنبل، والمروءة، والغَناء، والكفاية، يقال له: بابك بن البيروان - ديوان المقاتلة، فقال لكسرى: إنّ أمري لا يتمّ إلَّا بإزاحة علّتي في كلّ ما بي إليه الحاجة من صلاح أمر الملك في جنده. فأعطاه ذلك، فأمر بابك فبنيت له في الموضع الذي كان يعرض فيه الجند مصطبة وفرش له عليها بساط سُوسَنجرد، ونَمَط صوف فوقه، ووضعت له وسائد لتُكَأته، ثم جلس على ما فُرِش له، ثم نادى مناديه في شاهد عسكر كسرى من