انطلقوا هُرَّابًا مسرعين إلى الحيّ، يؤذنونهم ويستصرخونهم على القوم؛ فعمَد أحدُهم فأضْجعني على الأرض إضْجَاعًا لطيفًا، ثم شقّ ما بين مفرق صدْري إلى منتهى عانتي، وأنا أنْظرُ إليه، فلم أجد لذلك مَسًّا. ثمّ أخرج أحشاءَ بطني ثمَّ غسلها بذلك الثلج فأنْعَم غسْلَها، ثم أعادها مكانَها، ثم قام الثاني منهم، فقال لصاحبه: تنحّ، فنحَّاه عني، ثم أدْخل يده في جوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه فصَدَعَه، ثم أخرج منه مُضْغَة سوداء، فرَمى بها ثم قال بيدِه يمنةً منه؛ كأنَّه يتناول شيئًا، فإذا أنا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه، فختم به قلبي، فامتلأ نورًا، وذلك نور النبوّة والحكمة، ثمّ أعادَهُ مكانَه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرًا، ثم قال الثَّالث لصاحبه: تَنَحَّ عني، فأمَرَّ يَدَه ما بين مفرِق صدْري إلى مُنْتَهى عانتي، فالتأم ذلك الشقّ بإذْن الله. ثم أخذ بيدي فأنهضَني من مكاني إنْهَاضًا لطيفًا، ثم قال للأوَّل الذي شقّ بطني: زِنْه بعشرة من أمَّتِه، فوزنوني بهم فرجحتُهم، ثم قال: زنه بمئة من أمَّتِه، فوزنوني بهم فرجَحْتُهم، ثم قال: زنه بألف من أمَّته، فوَزَنُوني بهم فرجَحْتُهم. فقال: دعوهُ، فلو وزَنْتمُوه بأمَّته كلها لرجحهم. قال: ثمَّ ضمّوني إلى صُدورهم وقبّلوا رأسي وما بينَ عينيَّ، ثم قالوا: يا حبيب! لم تُرَعْ؛ إنَّك لو تدري ما يراد بك من الخير لقَرَّتْ عيناك. قال: فبينَا نحن كذلك؛ إذ أنا بالحيّ قد جاؤوا بحذافيرهم، وإذا أمّي - وهي ظئْري - أمام الحيّ تهتف بأعْلَى صوتها، وتقول: يا ضعيفاه! قال: فانكبُّوا على، فقبَّلوا رأسي وما بين عينيّ، فقالوا: حبّذا أنت من ضعيف! ثم قالت ظِئْري: يا وحيدَاه! فانكَبّوا على فضمّوني إلى صُدُورهم وقَبَّلوا رأسي وما بين عَينَيَّ، ثم قالوا: حَبَّذا أنت من وحيد وما أنتَ بوحيدَ إن الله معك وملائكتَه والمؤمنين من أهل الأرض. ثمَّ قالت ظئري: يايتيماه، اسْتُضْعِفْتَ من بين أصحابك فَقُتِلْتَ لضعْفِك، فانكبّوا عليَّ فضَمّوني إلى صدورهم وقبّلوا رأسي وما بين عَينَيّ، وقالوا: حتذا أنت من يتيم، ما أكْرَمَك على الله! لو تعلم ماذا يراد بك من الخير! قال: فوصلوا بي إلى شَفِير الوادي، فلمّا بصرت بي أمّي - وهي ظئري - قالت: يا بُنيَّ ألا أراك حيًّا بعدُ! فجاءت حتَّى انكبَّتْ على وضمَّتْني إلى صدْرِها؛ فو الذي نفسي بيده، إنّي لفي حِجْرها وقد ضمّتني إليها، وإنَّ يدي في يد بعضهم، فجعلتُ ألتفتُ إليهم وظَننْتُ أنّ القوم يبصرونهم، فإذا هم لا يبصرونهم، يقول بعض القوم: إنَّ هذا الغلامَ قد أصابه لمَم أو طائفٌ من الجنّ، فانطلقوا به إلى كاهِننا حتى ينظر