من أمره وأمرهما ما قد ذكرت في موضع ذلك فيما مضى من هذا الكتاب قبل (١). (٢: ٢٨٣/ ٢٨٤ / ٢٨٥/ ٢٨٦).
٨٨٣ - رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وكان الذي وجد عنده الكنز دُوَيكًا مولىً لبني مُليح بن عمرو، من خزاعة. فقطعت قريش يدَه من بينهم، وكان مِمن اتّهم في ذلك الحارث بن عامر بن نوفل، وأبو إهاب بن عُزَير بن قيس بن سُوَيد التميميّ - وكان أخا الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لأمه - وأبو لَهَب بن عبد المطّلب؛ وهم الذين تزعم قريش: أنهم وضعوا كنز الكعبة حين أخذوه عند دُوَيك مولى بني مُلَيح، فلمّا اتّهمتْهم قريش، دلّوا على دُوَيك، فقُطِع، ويقال: هم وضعوه عنده.
وذكروا: أنّ قريشًا حين استيقَنُوا بأنّ ذلك كان عند الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف؛ خرجوا به إلى كاهنة من كُهّان العرب، فسَجَعَتْ عليه من كهانتها بألّا يدخل مكّة عشْر سنين بما استحلّ من حُرمة الكعبة، فزعموا: أنّهم أخرجوه من مكّة، فكان فيما حَوْلَها عشر سنين؛ وكان البحر قد رَمى بسفينة إلى جُدَّة لرجل من تجّار الروم، فتحطّمت، فأخذوا خَشَبها فأعدُّوه لسَقفِها؛ وكان بمكّة رجل قبطيٌّ نجَّارٌ، فتهيّأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلِحها، وكانت حيّة تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كلّ يوم، فَتتشَرَّق على جدار الكعبة، فكانوا يهابونها، وذلك أنه كان لا يدنُو منها أحدٌ إلَّا احزألّتْ وكشّت وفتحتْ فاها؛ فبينا هي يومًا تَتَشرَّق على جِدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله عليها طائرًا، فاختطفها فذهب بها، فقالت قريش: إنّا لنرجُو أن يكون الله عَزّ وجلّ قد رَضِيَ ما أردْنا. عندنا عامل رقيقٌ، وعندنا خشبٌ، وقد كفانا الله [أمر] الحيّة، وذلك بعد الفِجار بخمس عشرة سنَة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامَئِذٍ ابن خمس وثلاثين سنة.
فلمّا أجمعوا أمرهم في هَدْمها وبنائها؛ قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فتناول من الكعبة حَجَرًا، فوثب من يده؛ حتى رجع إلى مَوْضعه، فقال: يا معشرَ قريش! لا تُدخِلوا في بنيانها من كَسْبكم إلَّا طيبًا،