وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيفِي أَلَيسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} نهي لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء. وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه. فقال قومه -عليهم لعنة الله الحميد المجيد، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد-: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} يقولون -عليهم لعائن الله-: لقد علمت يا لوط أنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا. واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال - عليه السلام -: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة [البخاري / ح ٣٨٦]. وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحمة الله على لوط، إنه كان يأوي إلى ركن شديد -يعني الله عزَّ وجلَّ- فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه". الترمذي / كتاب تفسير القرآن / (ح ٣١٢٧). وقال تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قَال إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالمِينَ (٧٠) قَال هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيئاتهم. وهذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون. ولهذا قال تعالى مقسمًا بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}. ذكر المفسرون وغيرهم: أن نبي الله لوطًا - عليه السلام - جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} لأحللت بكم النكال. قالت الملائكة: {يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيكَ}. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}. فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط - عليه السلام - آمرين له بأن يسري هو وأهله من =