للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتوا عبد الله بن أبيّ ابن سَلُول -يعني قريشًا- فقالوا مثل ما ذكر كعْب بن مالك من القول لهم، فقال لهم: إنَّ هذا لأمْرٌ جسيم؛ ما كان قومي ليتفوَّتوا عليَّ بمثل هذا وما علمته كان. فانصرفوا عنه، وتفرَّق النَّاس مِنْ مِنىً، فتنطّس القوم الخبر فوجدوه قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بالحاجر، والمنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبًا؛ فأمَّا المنذر فأعجز القوم، وأمّا سعد فأخذوه، وربطوا يديه إلى عنقه بِنسْع رَحْله، ثمّ أقبلوا به حتى أدخلوه مكّة، يضربونه ويجبِذونه بجُمَّته - وكان ذا شَعَر كثير - فقال سعد: فوالله إني لفي أيديهم؛ إذ طلع عَلَيَّ نفر من قريش؛ فيهم رجُلٌ أبيض وَضِيءٌ شَعْشاع حلو من الرّجال. قال: قلت: إن يكن عند أحدٍ من القوم خير فعند هذا، فلمّا دنا منّي رفع يديه فلطمني لطمةً شديدةً. قال: قلت في نفسي: والله ما عندهم بعد هذا خير. قال: فوالله إنّي لفي أيديهم يسحبونني؛ إذ أوى إليّ رجل منهم ممّن معهم، فقال: ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهدٌ! قال: قلتُ: بلَى والله، لقد كنت أجِيرُ لجبير بن مطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف تِجَارَهُ، وأمنعهم ممّن أراد ظلمهم ببلادي؛ وللحارث بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف. قال: ويحَك! فاهتِف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إنَّ رجلًا من الخزرج الآن يُضرب بالأبطح؛ وإنَّه ليَهتف بكما، ويذكُر: أن بينه وبينكما جوارًا، قالا: ومَنْ هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صَدَقَ والله إن كان ليجير تجارنا، ويمنعهم أن يظلَموا ببلده. قال: فجاءا فخلَّصا سعدًا من أيديهم وانطلق. وكان الذي لَكم سعدًا سُهَيل بن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي (١). (٢: ٣٦٧/ ٣٦٨).

٦٦ - قال أبو جعفر: فلما قدِموا المدينة، أظهروا الإسلام بها، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من أهل الشِّرْك؛ منهم عمرو بن الجَمُوح بن زيد بن حرام بن كعب بن غَنْم بن سلِمة، وكان ابنه مُعاذ بن عمرو قد شهد العقَبة، وبايع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في فتيان منهم، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منْ بايع من الأوس والخزرج


(١) إسناده ضعيف، وكذلك أخرجه ابن هشام مرسلًا من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر (السيرة ٢/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>