١٦٢ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلَمة عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رُومان ومَنْ لا أتَّهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك - وكان من أعلم الأنصار - قال: كان أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكّة، ورجع فَلُّ قريش إلى مكَّة من بدر، نَذَر ألَّا يمسَّ رأسه ماء من جَنابة حتى يغزُوَ محمدًا. فخرج في مئتي راكب من قريش، ليُبِرّ يمينه، فسلك النَّجديَّة حتى نزل بصدور قَناة إلى جبل يقال له: تَيت، من المدينة على بريد أو نحوه. ثم خرج من اللَّيل حتى أتى بني النَّضِير تحت اللَّيل، فأتى حُييَّ بن أخْطَب، فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه، فأبى فانصرف إلى سلّام بن مِشْكم -وكان سيد النَّضِير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم- فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه، وَبَطَنَ له خبر الناس، ثم خرج في عَقِب ليلته؛ حتى جاء أصحابه، فبعث رجالًا من قُريش إلى المدينة، فأتوْا ناحية منها يقال لها: العُرَيض، فحرِّقوا في أصوار من نخل لها، ووجدوا رجلًا من الأنصار وحليفًا له في حَرْث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين؛ ونَذرَ بهم الناس، فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم، حتى بلغ قرقرة الكُدْر، ثم انصرف راجعًا، وقد فاته أبو سفيان وأصحابُه، وقد رأوا من مزاود القوم ما قد طرحوه في الحرث؛ يتخفَّفون منه للنّجاة. فقال المسلمون حين رجع بهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم.
وقد كان أبو سفيان قال وهو يتجهَّز خارجًا من مكة إلى المدينة أبياتًا من شعر يُحَرِّض قريشًا:
كُرُّوا على يثرَبٍ وجَمْعِهم ... فإنَّ ما جمَّعوا لكُمْ نَقَلُ
إنْ يكُ يومُ القَليبِ كان لهمْ ... فإنَّ ما بعده لكُم دُوَلُ
آلَيتُ لا أقْرَبُ النِّساءَ ولا ... يَمَسُّ رَأسي وجلْديَ الغُسُلُ