للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: نعم يا أخا بني ضَمْرة؛ وإن شئت مع ذلك رَدَدْنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك، حتى يحكم الله بيننا وبينك. فقال: لا والله يا محمَّد، ما لنا بذلك منك من حاجة، وأقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظر أبا سفيان؛ فمرّ به مَعْبَدُ بن أبي معبَد الخُزاعيّ، وقد رأى مكان رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وناقته تهوْيِ به فقال:

قد نَفَرَتْ من رُفقَتَي مَحمَّدِ ... وعَجوَةٍ من يَثْرِبٍ كالعُنْجُدِ

تَهْوي على دِينِ أبيها الأتْلَدِ ... قد جَعَلَتْ ماءَ قُدَيد مَوْعِدِي

وماءَ ضَجْنان لها ضُحَى الْغَدِ (١)

(٢: ٥٦٠/ ٥٦١).

٢١١ - وأما الواقديّ؛ فإنه ذكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَدَبَ أصحابَه لغزوة بدْر لموعد أبي سفيان الذي كان وعده الالتقاء فيه يوم أُحد رأس الحوْل للقتال في ذي القعدة. قال: وكان نُعَيم بن مسعود الأشْجَعيّ قد اعتمر، فقدم على قريش، فقالوا: يا نُعيم! من أين كان وجهك؟ قال: مِنْ يثرب، قال: وهل رأيتَ لمحمد حركة؟ قال: تركته على تعبئة لغزوكم، -وذلك قبل أن يسلم نعيم- قال: فقال له أبو سفيان: يا نُعيم! إنَّ هذا عام جَدْبٌ، ولا يصلحنا إلَّا عامٌ ترعى فيه الإبل الشجر، ونشرب فيه اللبن، وقد جاء أوان موعد محمَّد، فالحق بالمدينة فثَبِّطْهم وأعلمهم أنَّا في جمع كثير، ولا طاقة لهم بنا؛ فيأتي الخُلْف منهم أحبّ إليّ من أن يأتيَ من قبلنا، ولك عشر فرائض أضعها لك في يد سُهيل بن عمرو يضمنُها. فجاء سهيل بن عمرو إليهم، فقال نعيم لسهيل: يا أبا يزيد! أتضمن هذه الفرائض وأنطلق إلى محمد فأثبِّطَه؟ فقال: نعم، فخرج نُعَيم حتى قدم المدينة، فوجد الناس يتجهَّزون، فتدسَّس لهم، وقال: ليس هذا برأي، ألم يُجرح محمد في نفسه! ألم يقتل أصحابه! قال: فثبَّط الناس؛ حتى بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلَّم، فقال: والَّذي نفسي بيده، لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدِي.

ثم أنهجَ الله عزّ وجلَّ للمسلمين بصائرهم؛ فخرجوا بتجارات، فأصابوا الدِّرهم درهمين؛ ولم يلقوْا عدُوًّا؛ وهي بَدْر الموعد؛ وكانت موضع سوق لهم


(١) إسناده ضعيف، وقد أخرج ابن سعد هذه الغزوة (بدر الثانية) في طبقاته (٢/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>