البلاء، واشتدَّ الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتَّى ظنّ المؤمنونَ كلّ ظنّ، ونَجَمَ النِّفاق من بعض المنافقين، حتى قال مُعَتِّبُ بن قُشَير، أخو بني عمرو بن عوف: كان محمدٌ يعِدُنا أن نأكلَ كنوزَ كسرى وقيصر؛ وأحدنا لا يقدِرُ أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظيّ، أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله! إن بيوتَنا لعوْرَة من العدوّ -وذلك عن ملأ من رجال قومه- فَائْذن لنا فلنرجع إلى دارنا؛ فإنَّها خارجة من المدينة.
فأقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقام المشركون عليه بضعًا وعشرين ليلة، قريبًا من شهر؛ ولم يكن بين القوم حَرْب إلَّا الرَّمي بالنَّبْل والحصار (١). (٢: ٥٧٠/ ٥٧١ / ٥٧٢).
٢٢٠ - فأقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وعدوّهم محاصروهم؛ لم يكن بينهم قتال إلَّا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ بن أبي قيس، أخو بني عامر بن لُؤيّ، وعِكْرمة بن أبي جهل، وهُبَيرة بن أبي وهب المخزوميَّان، ونوْفَل بن عبد الله، وضِرار بن الخطَّاب بن مرداس أخو بني محارب بن فِهْر؛ قد تلبَّسوا للقتال، وخرجوا على خيلهم، ومرّوا علي بني كِنانة، فقالوا: تهيَّؤوا يا بني كنانة للحرب؛ فستعلمون اليوم من الفرسان! ثم أقبلوا نحو الخندق؛ حتى وقفوا عليه، فلمَّا رأوه قالوا: والله إنَّ هذه لمكيدةٌ ما كانت العرب تكيدها؛ ثم تيمَّموا مكانًا من الخندق ضيقًا، فضربوا خيولَهم، فاقتحمتِ منه؛ فجالت بهم في السَّبَخة بين الخندق وَسلْع، وخرج عليّ بن أبي طالب في نَفر من المسلمين؛ حتى أخذ عليهم الثُّغْرَة التي أقْحَمُوا منها خيلَهم، وأقبلت الفرسان تُعْنِقُ نحوهم. وقد كان عمرو بن عبد وُدٍّ قاتل يوم بدر؛ حتى أثبتتْه الجراحة، فلم يشهد أحدًا، فلما كان يوم الخندق خرج مُعْلمًا ليُرَى مكانُه؛ فلمَّا وقف هو وخيله، قال له على: يا عمرو؛ إنك كنتَ تعاهد الله ألَّا يَدْعُوك رجلٌ من قريش إلى خلَّتَين إلا أخذتَ منه إحداهما! قال: أجَل! قال له عليٌّ بن أبي طالب: فإني أدعوك إلى الله عزّ وجلّ وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإني أدعوك إلى النِّزال، قال: ولمَ يا بن أخي؛ فوالله ما أحب أن أقتلك! قال عليّ: ولكني
(١) إسناده إلى ابن إسحاق ضعيف وذكره ابن إسحاق بلاغًا، وكذلك أخرجه ابن هشام من كلام ابن إسحاق دون أن يسنده.